كم مِنْ مساءٍ فى المَلَلْ
من غيرِ طَيْفِكَ يا أَمَلْ
كم من مساءٍ مَرَّ بِى
وبِعَتْمَةِ السُّهْدِ اكْتَحَلْ
أحيا بليلٍ حالِكِ
الآفاقِ يَقْتُلُنِى المَلَلْ
أَجْتَرُّ آلامَ الطِّعَانِ
بما يَجِىءُ وما رَحَلْ
صُوَرٌ تَمُرُّ بِلَفْحَةِ
الوَجَعِ الرَّهِيْبِ على مَهَلْ
تكوى هُنَا ، تَشْوِى هُنَا
بَدْءَاً مِنَ الحِمَمِ الأُوَلْ
فى سِجْنِ ليلٍ أسْتَعِيْدُ
رُؤَى العذابِ ولا أَمَلْ
ويُغِيْثُنِى دمْعِى فَيُطْفِؤُنِى
ووجْهِى يَغْتَسِلْ
حتى أرانِى كالْمَهِيضِ
وكُلُّ ما فيهِ ذَبُلْ
فَأَغُطُّ فى نومٍ تُنَاوِبُهُ
الهُمُومُ بِلا كَلَلْ
**
كم من مساءٍ بالعِلَلْ
هذا صَحَا ، هذا جَفَلْ
هذا أضاءَ لِتَوِّهِ
يَكْوِى الضُّلُوعَ ،وذا أَفَلْ
والبائِسُ المَحْرُومُ يسألُ
فى سُكُوت ٍ أَلْفَ هَلْ؟
هل ما يزالُ له الكثيرُ
أم القليل ، أم الأقَلْ؟
فالنُّوُر قَل َّ ،الفَرْحُ قَلَّ
الجُهْدُ قَلَّ ،الوُدُّ قَلْ
فَلِمَ الوَفَاءُ يكونُ أَوْفَى
فى وُجُودٍ يَضْمَحِلْ؟!
وَسِعَ الجَفَا حتى اخْتَفَى
قَلْبٌ على قَلْبٍ يُطِلْ
كمْ مِنْ ليالٍ لا تَرَى
بَدْرَاً بِظُلْمَتِهَا يَهِلْ
والنَّارُ تَلْتَهِمُ القُلُوبَ
ولا سِوَى الدَّمْعِ بَلَلْ
عمَّ الجُحُودُ على الوُجُودِ
أصابَ جَوْهَرَهُ الخَلَلْ
جَمُدَتْ مَشَاعِرُهُ وغَطَّ
العَقْلُ فى بَحْرِ الخَبَلْ
ما هكذا شَهِدَ الوُجُودُ
ولا حَيَا مُنْذُ الأَزَلْ
حَلَّ الجَفَا بَدَلَ الوَفَا
فَظَّاً فَيَا بِئْسَ البَدَلْ
والطُّهْرُ أصْبَحَ فى رُؤَى
النَّاسِ عَقِيمَاً مُبْتَذَلْ
نَهْرُ الحنانِ عَفَا الحَنِينَ
كأنَّهُ بِهِمَا بَخَلْ
والكونُ يَتْرَعُ مِنْ جَفَا
بَغْضَائهِ حتى ثَمِلْ
فعلامَ يا مَنْ قَلْبُهُ
فى حُرْقَةِ الغَدْرِ تَسَلْ؟
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
يا غَيْرَهُ هاتِ الأَمَلْ
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
مُلْكَاً ولا رَغَدَاً ،أَجَلْ
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
أعْلَى المَرَاكِزِ والْحُلَلْ
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
مالاً يَطُولُ شَفَا زُحَلْ
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
شَقْرَاءَ حَوْرَاءَ المُقََلْ
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
هَيْفَاءَ مَبْسِمُهَا عَسَلْ
قُلْ يا حَنَانُ ولا تَقُلْ
جِسْمَاً يُزِينُ بما حَفَلْ
قُلْ يا حنَانُ ولا تَقُلْ
بَدَنَاً يُثِيرُ فَتَشْتََعِلْ
يا أَغْفَلَ المُسْتَضْعَفِينَ
شَغُفْتَ بالعَرَضِ الأَذَلْ
وتَرَكْتَ سِرَّ اللهِ فى
دُنْيَا البقاءِ إلى الأَزَلْ
كيفَ اصْطَفَيتَ تَقَرُّبَ
الأدْنَى وغَادَرْتَ الأَجَلْ؟!
أرأيتَ كيفَ الكونُ يَبْقَى
بِالحَنانِ وفِيْهِ حَلْ
لَوْلاهُ ما أيْنَعَ طِفْلٌ
أو عَلَا فِيْهِ جَبَل
لَوْلاهُ ما كانَ لأُمٍّ
فى البَرِيَّةِ أَىُّ فَضْلْ
لَوْلاهُ ما رَقَّتْ رِيَاحٌ
فَوْقَ خَلْقٍ تَرْتَحِلْ
لَوْلاهُ ما الأرضُ سَخَتْ
لَوْلاهُ ما الغَيْثُ هَطَلْ
وانْظُرْ إلى سِرِّ الحَيَاةِ
وغَذِّ رُوحَكَ واسْتَدِلْ
وانْقُلْ بَصِيرَتََكَ انْتَبِهْ
خُذْ مِنْ دَلِيلٍ للأَدَلْ
يا ويلَ مَنْ عَشِقَ الفَنَاءَ
وقَلْبُهُ فِيْهِ اشْتَغَلْ
سَبَّحْتُ باسْمِكَ خَالِقِى
لَمَّا تّغَمَّدَنِى الأَمَلْ
**
كيفَ اهتدى أَنِّى على
البُعْدِ أعِيشُ بلا أَمَلْ
مَنْ نَبَّهَ القَلْبَ الحَنُونَ
بَأنْ يَهُمَّ فَيَتَّصِل
مَنْ ذا الذى أوْحَى لَهُ
زُرْ عَلَّ جُرْحَاً يَنْدَمِل
فإذا بهِ فورا يُوَافِينِى
يَجِيْىءُ على عَجَلْ
وكأنَّ رَبِّى حَثَّهُ
فأجَابَ وحْيَاً قَدْ نَزَلْ
أملٌ أمَلْ ، أمَلٌ أمَلْ
أحْيَيْتَ رُوحِى يا أَمَلْ
ما شاءَ رَبِّى جَاءَنِى
ما قَدَّرَ اللهُ فَعَلْ
أوحَى إلى الأرواحِ أنْ
تَطْوِى الفَضَاءَ وتنتقلْ
ها نِصْفُ رُوحٍ فارْتَحِلْ
يا نِصْفَهَا كى تَكْتَمِلْ
يا رحمةَ الرَّبِّ الجَلِيلِ
هُنَا شَكُورٌ يَبْتَهِلْ
طَافَتْ على رُوحى بِوَحْىِ
اللهِ بالغَوْثِ الجَلَلْ
يا حَظَّ قَلْبٍ يَسْتَجِيبُ
له الرَّحِيمُ إذا سَأَلْ
أبْقَى أُسَبِّحُ يا أَمَلْ
إنْ عِشْتُ فى فَجْرٍ يَهِلْ
باسم الذى يَهْدِى القُلُوبَ
فَتَسْتَجِيبُ وتَمْتَثِلْ
**
وإلى غَدٍ بَوْحٌ جَدِيدٌ
فى شُرُوحٍ تَتَّصِلْ
تَحْكِى الذى أدْرَكْتُهُ
( لمَّا تَغَمَّدَنِى الأَمَلْ )