الحمدلله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد والصلاة والسلام على خير من قرأ القرآن وركع وسجد و أصحابهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
جميعنا أهل آمال وطموحات ورغبات وأمنيات نسعى لتحقيقها بكل وسيلة ممكنة وبكل الطرق المتوفرة ,فمن منا لا يرغب في مسكن مريح واسع الأطراف ! ومن منا لا يرغب في وظيفة مرموقة بدخل طيب تكفيه مؤنة الحياة ! ومن منا لا يرغب في حياة هادئة رقيقة المشعر والمسكن والأهل ! ومن منا لا يرغب في السفر وزيادة الرزق وبركته والشهادات العليا !
ناهيك عن الظروف القاسية والمشاكل والآهات والآلام والأحزان التي تعتري وتكدر صفو حياة الشخص فبها يظن أن الدنيا قد أسودت ولا أمل منها ولا فائدة , وهكذا تتوالى قلوب البشر في تطلعات المستقبل وأحياناً تسود حزناً عندما لا تجد ما كانت تتطلع إليه .
أتعلمون !نتعرض كثيرا ً لمثل هذا ورغم أن الدواء الشافي الوافي الكافي موجود بأسهل الطرق إلا أن أنفسنا الضعيفة تكاسلت عنه وكأنها مستغنية رغم حاجتها الماسة والشديدة إليه في ظل هذه الظروف الدامية أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب !
قالت امرأة فاضلة بلسان حالها وتجربتها :ما ت زوجي وأنا في الثلاثين من عمري , وعندي منه خمسة أطفال بنين وبنات ، فأظلمت الدنيا في عيني وبكيت حتى خفت على بصري وندبت حظي ويئست وطوقني الهم فأبنائي صغار وليس لنا دخل يكفينا وكنت أصرف باقتصاد من بقايا مال قليل تركه لنا أبونا وبينما أنا في غرفتي فتحت المذياع على إذاعة القران الكريم وإذا بشيخ يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم مخرجا ومن كل ضيق فرجا ((فأكثرت بعدها الاستغفار وأمرت أبنائي بذلك وما مر بنا والله ستة أشهرحتى جاء تخطيط مشروع على أملاك لنا قديمه فعوضت فيها بملايين وصار أبني الأول على طلاب منطقته وحفظ القران كاملاً وصار محل عناية الناس ورعايتهم وأمتلئ بيتنا خيراً وصرنا في عيشه هنيئة وأصلح الله لي كل أبنائي وبناتي وذهب عني الهم والحزن والغم وصرت أسعد امرأة
يقول أحد الأزواج:كلما أغلظت على زوجتى أو تشاجرت أنا وهي أو صار بيني وبينها أي مشكلة أهم بالخروج من البيت من الغضب ووالله لا أفارق باب العمارة إلا وتجتاحني رغبة شديدة في الذهاب للاعتذار منها ومراضاتها, أخبرتها بذلك فقالت لي: أتعرف لماذا ؟؟
قال لها : ولماذا ؟ قالت بمجرد أن تخرج من الغرفة بعد شجارنا ألهج بالاستغفار ولا أزال أستغفر حتى تأتي وتراضيني
والقصص في ذلك كثيرة ودين الله لا يحتاج إلى تجارب ليثبت أحق هو أم لا لكن النفس جبلت على التحرك مع واقعها إن لم تتحرك مع كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ^_^
إن خلق الاستغفار خلق رفيع الشأن عظيم المكانة تخلق به صفوة الخلق من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام , فحينما كان إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يدعوا والده إلى التوحيد والإسلام وقابله والده بالإعراض كان أول ما لجأ إليه إبراهيم الخليل هو الاستغفار طمعاً في هداية الأب إلى طريق الصواب ((قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربي إنه كان حفيا))
قال قتادة - رحمه الله - : \" إن القرآن يدلكم على دائكم و دوائكم أما داؤكم فالذنوب و أما دواؤكم فالاستغفار \" .
و قال علي - كرم الله و جهه - : \" العجب ممن يهلك و معه النجاة قيل : و ما هي ؟ قال الاستغفار \" .
و كان - رضي الله عنه - يقول ما ألهم الله - سبحانه و تعالى - عبداً الاستغفار و هو يريد أن يعذبه \" .
و يروى عن لقمان - عليه السلام - أنه قال لابنه : \" يا بني إن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً فأكثر من الاستغفار \" .
و عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : \" طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً \" و قال أبو المنهال : \" ما جاور عبد في قبره من جارٍ أحب من الاستغفار \" .
و كان الحسن البصري يقول : \" أكثروا من الاستغفار في بيوتكم , وعلى موائدكم و في طرقكم و في أسواقكم و في مجالسكم فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة ؟ \"
و قال ابن تيمية - رحمه الله - : \" إنه ليقف خاطري في المسألة التي تشكل عليّ فاستغفر الله ألف مرة حتى ينشرح الصدر و ينحل إشكال ما أشكل , و قد أكون في السوق أو المسجد أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر و الاستغفار إلى أن أنال مطلوبي \"
إخواني وأخواتي إن للاستغفار أثار عديدة لا حصر لها ففيها استجابة لأمر ربكم عزوجل: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ) و قوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )
وهو سبب لجلب الرزق وبركته (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )
يقول القرطبي – رحمة الله تعالى - : \" في الآيات دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق و الأمطار , و يقول الحافظ ابن كثير رحمة الله – في تفسيره :\" أي إذا تبتم إلى الله و استغفرتموه و أطعتموه كثر الرزق عليكم و أسقاكم من بركات السماء و أخرج لكم من بركات الأرض , و أنبت لكم الزرع , و أدر لكم الضرع و جعل لكم جنات فيها أنواع الأنهار و خللها بالأنهار الجارية بينها \" .
وهو سبب في جلب المتاع الحسن (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) والمتاع الحسن كلمة عامة لكل متاع طيب مبارك في الدنيا من سعة في المال ورغد العيش وحلاوته واستقرار البال والحال .
والاستغفار سبب في دفع العذاب والعكس صحيح فالله عزوجل ربط سعادة الفرد بالاستغفار (\"وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
والاستغفار سبب في تفريج الهم والضيق في الحديث الصحيح : ( من لــزم الاستغفار جــعل الله لـه من كل هم فـرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ).
وذكر العلماء فضائل عدة لملازمة الاستغفار :
1 – أنه سبب لمغفرة الذنوب: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراًا ) [نوح:10].
2 – الإمداد بالأموال والبنين ( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) [نوح:12].
3 – دخول الجنات ( وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ) [نوح:12].
4 – زيادة القوة بكل معانيها ( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ) [هود:52].
5 – دفع البلاء ( وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الأنفال:33].
6 – وهو سبب لإيتاء كل ذي فضل فضله ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) [هود:3].
7 – العباد أحوج ما يكونون إلى الاستغفار، لأنهم يخطئون بالليل والنهار، فاذا استغفروا الله غفر الله لهم.
8 – الاستغفار سبب لنزول الرحمة ( لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [النمل:46].
9 – وهو كفارة للمجلس.
10 – وهو تأسٍ بالنبي ؛ لأنه كان يستغفر الله في المجلس الواحد سبعين مرة، وفي رواية: مائة مرة.
ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيماً لا يولد له وقد عجز الأطباء عن علاجه وبارت الأدوية فيه فسأل أحد العلماء فقال: عليكم بكثرة الاستغفار صباح مساء فإن الله قال عن المستغفرين {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}[نوح :12]. فأكثر هذا الرجل من الاستغفار وداوم عليهن فرزقه الله الذرية الصالحة.
إخواني وأخواتي
عليكم بالاستغفار فهو طريق النجاة وانقشاع الظلام
وهو طارد للهموم والغموم والاكدار
وباب خير لحياة طيبة آمنة مطمئنة
فوالله من لزم الاستغفار فتحت له أبواب كل شئ
فلا تضيعون على أنفسكم هذا الكنز العزيز