لسان حال العربي في جاهليته الأولى ، أفنى عمره يدعو أوثاناً يصنعها بيديه ،صخوراً صمّاء لا تعقل و لا تعي شيئاً . ليسجد لها ويدعوها من دون خالقه، وقد قيل أن أعرابياً أتى إلى صنم ليعبده، فوجد الثعلب يبول على رأسه، قال:
أَرَبٌّ يبول الثعلبان برأسه لقد ذلَّ من بالت عليه الثعالب.
أعرابي آخر طلَّق زوجته في الجاهلية، فاستفتى أعيان القبيلة: مَن يرد علي زوجتي؟
قالوا: إلهك سعد، في مناة في أرض ثقيف.
قالوا: اذهب إلى سعد بالناقة، وقدم له لبناً، لعَلَّه أن يرد زوجتك.
فذهب بالناقة، فلما اقترب واللبن معه على الجمل، خرج الثعلب من وراء الصنم، فنفرت الناقة، فسقط على رأسه وفرت الناقة منه فقال:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ففرقنا سعدٌ فما نحن من سعدِ
حتى اذا أشرقت نور الهداية على كهف قلبه المظلم وأيقن أنه الحق والنور من ربه، آمن واستقام ،وأعلن بالغ ندمه وأسفه على عمر ضيعه في عبادة الأصنام فأطلق صيحته المشهورة " يا ضيعة الأيام في عبادة الأصنام".
يتحدث أحد التائبين والعائدين الى حظيرة أهل السنة والجماعة بعد عمر طويل في تقديس الأشخاص والخرافات :
في الثلاثينيات من القرن العشرين ، كان وطنه يرزح تحت احتلال غربي ،وفي أحد الثكنات العسكرية ، كان هنالك ضابط غربي يحب كلبه ويعطف عليه في غربته ، مات الكلب يوما فحزن عليه بشدة، ودفنه في قبر في الثكنة العسكرية ، وعيّن عسكرياً يقوم بحراسة القبر لئلا يدوس عليه الجنود العرب، وتمضي السنين ويعلن هذا اليلد استقلاله بجلاء الاحتلاء ، وتصير الثكنة الى ابناء هذا البلد،وتبقى وظيفة حراسة القبر على حالها ، وتنسج الروايات حول صاحب القبر..حتى قيل أنه قبر عابد صالح من عباد مذهبهم ،فأقاموا عليه مقاماً ومسجداً عظيماً ،اتخذوه مزاراً يؤمه آلاف من الحجاج!! يدعونه من دون الله في قضاء حاجاتهم الدنيوية! في الثمانينات من القرن المنصرم ، قرر الضابط الغربي صاحب الكلب وقد أصبح عجوزاً زيارة هذا البلد لإلقاء نظرة على قبر كلبه ومعه مخططات قديمة للموقع ، أصيب بالدهشة والذهول! حينما أُبلغ أنّ هذا مقام عابد وليس قبر كلب ! لم يصدق أحد روايته ،لكنه عرض مخطوطاته التي بحوزته على السلطات المحلية والتي وافقت المخطوطات الرسمية ،وتقررالسلطات المحلية نبش القبر للتحقق من صحة مزاعم الطرفين العجوز الغربي و أهل المنطقة عباد المقام ،فكانت النتيجة بقايا هيكل عظمي لكلب!!نصف قرن خلت والناس يقدسون بقايا عظام كلب ميت ، فيا ضيعة الأيام في عبادة الأصنام!
في كتابه "اقتضاء العلم العمل" لأبي بكر البغدادي رحمه الله تعالى : عن نصر بن علي قال : سمعت أبي يقول : رأيت الخليل بن أحمد في المنام فقلت له : ما فعل بك ربك؟
قال : غفر لي ، قلت : بم نجوت؟ قال : بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قلت : كيف وجدت علمك؟ أعني العروض والأدب والشعر ، قال : وجدته هباء منثوراً.
حتما ستشعر بالدهشة عندما تقلب صفحات لسان العرب للبحث عن معنى " فنان" لتكتشف أنها تحمل معنى " الحمار" ففي لسان العرب: " والفنان في شعر الأَعشى: الحمارُ ؛ قال: الوحشي الذي يأْتي بفنُون من العَدْو" سبحان الله! حينما نستعرض سيرة بعض هؤلاء الحمير ..أقصد الفنانين(إن هم كالأنعام بل أضل سبيلا) الذين أفنوا أعمارهم في اللهو والمجون والغناء والرقص والتمثيل والعري الفاضح.سقطت منهم أردية الجاه والكرامة عندالله وعند الناس ،وجردتهم المعاصي من كل صفات المدح والثناء والشرف ورفعة المنزلة وعُرِفوا بين الناس بالفجرة والعصاة والزناة.. فإن الله عز وجل قد جعل أكرم الناس أتقاهم ، وجعل أهل طاعته الأعلين في الدنيا والآخرة، وجعل أهل معصيته في أسفل سافلين في الدنيا والآخرة؛ففي الحديث" ... وجُعِلَ الذُّل والصَّغار على من خالف أمري ومن تشبّه بقوم فهو منهم"(رواه أحمد في المسند)
من منا لم يسمع بكلمات لأغنية شهيرة تخبرنا بسر الوجود ؟ومن يبقى بعد أن يفنى الوجود؟
"أعطني الناي وغني، فالغنا سر الوجود, وأنين الناي يبقى, بعدما يفنى الوجود."!!
يقول المولى عز وجل
"وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ كُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
ويقول عز من قائل:
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ"
وهذا مغني وموسيقي شهير أرسله أبوه طفلاً صغيراً الى مراكز تحفيظ القران وبعد أن حفظ القران وتتلمذ على يد المقريء محمد رفعت رحمه الله، نفر منها ليلتحق بالغناء على المسارح و المناسبات ،ويشتغل في الغناء والتمثيل والتأليف الموسيقي طوال عمره التسعين ، وقبيل وفاته أصدر أغنيته الشهيرة بصوته
" من غير ليه" وتقول كلماتها:
" جايين الدنيا ما نعرف ليـــــــــــــه ولا رايحين فين ولا عايزين ايــــه" ..!!
والتي كان من المقرر أن يغنيها عبدالحليم حافظ الذي أدركه الموت قبل غنائها، ولكنه غنى أغنيته الشهيرة والتي يقول فيها " قدر احمق الخطى سحقت هامتى خطاه" !! (تعالى الله علواً كبيرا). وتذكر مجلة روز اليوسف المصرية الشهيرة - مؤسِّستها الممثلة روز اليوسف التي أنجبت احسان عبدالقدوس ،الذي وصف العقاد أدبه بأنه أدب فراش وأدب جنس !- أن قبر المغني عبدالحليم قد نبش بعد 29 عاماً من وفاته فوجد الجسد على هيئته يوم دفن! وهذا لا يتحقق إلا للأنبياء عليهم السلام ، كما ذكر للشهداء أيضاً . ففي الحديث:
"أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ـ يريدون بليت ـ فقال: إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ـ عليهم السلام. "-أخرجه الإمام أحمد بإسناده .
أهتم الإسلام بالوقت الذي يحياه الانسان وضرورة اغتنامه في طاعة الله والاستقامة على طريق التوحيد ،وعدم تضييعه في المعصية والشرور؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ ". ويذكر ابن قيّم الجوزية رحمه الله: " أن عمر الانسان مدة حياته فليس عمره إلا أوقات حياته بالله، فتلك ساعات عمره، فالبرّ والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره،ولا عمر له سواها...فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غِبّ إضاعتها يوم يقول: " يا ليتني قدّمتُ لحياتي" – الفجر 24.
كم من مفارق لدينه مات على فراقه لدينه ،وكم من عاص مات على معصيته، وسيعلم الذين ظلموا منهم أيّ منقلب ينقلبون فيه الى مولاهم الحق، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله - عز وجل - بقلب سليم، ويتحسرون بعد فوات الأوان:
يــــــــــــا ضيعة الأيام في عبادة الأصنام