شباب .. هل هذه ليست الحرية
مجتمعنا صغير جداً، والناس ينطبق عليها المثل القائل “كلنا عيال قرية، وكل منا يعرف خيه”، بمعنى أننا نعرف بعضنا بعضاً كأهل قرية صغيرة، لا يعني ذلك بالضرورة أن البلد صغير، أو أن العلاقات فيه غير متشابكة، أو أن التنوع والتعقيد المدني غير متوافر، لكن المقصود أن الناس يمكنها ببساطة أن تعرف ما يحصل، وأن تصل إليها أدق التفاصيل بأكثر من طريقة، الإعلام إحداها، والعلاقات الشخصية أهمها، ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتنقلها بكامل حذافيرها للجميع، خاصة أنها في متناول هذا الجميع، الذي لا هم لأغلبه سوى إرسال البرودكاست أو استقباله على امتداد اليوم.
مشهد بعض الفتيات اللواتي لا يختلفن عن الشباب في مشيتهن أو طريقة لباسهن أحياناً أو تسريحة شعرهن، إضافة لتمادي بعضهن في طريقة تعاملهن مع الصديقة التي تسير إلى جانبهن علناً وأمام الجميع، خاصة في بعض المدارس أو الجامعات، هذا المشهد ليس غريباً فقط، لكنه فج ومؤذ ولا أخلاقي على الإطلاق، كما أنه لم يعد خافياً ولا سراً بعد أن تحدث عنه الجميع، وعلى جميع المستويات، وتحول إلى ظاهرة سلوكية تبحث عن حل عاجل.
وكذلك مشهد بعض الشباب الصغار، الذين يبالغون في تأنقهم وإطالة شعورهم والعناية بنعومة وجوههم وحركة أجسادهم، حتى صاروا أكثر لفتاً للانتباه من الفتيات الجميلات، خاصة في الأماكن العامة، كالمراكز التجارية، ومحال الوجبات السريعة وغيرها، لقد كانوا فيما مضى يتجنبون النظرات الفضولية والساخرة، لكنهم اليوم أكثر جرأة ومجاهرة بسبب ثورة الاتصالات، وربما مع تعالي حركات التحرر، فكل يفهم التحرر على طريقته، مثلما يغني كل على ليلاه !!
السؤال البدهي هو: أين دور الوالدين الذين يفترض أن يكون هؤلاء الشباب أو الفتيات يعيشون معهم؟ فليس من المعقول أن يعيش كل هؤلاء بلا أهل أو بصحبة أفراد من العائلة غير الوالدين، مثل الجد أو الخالة مثلاً، أو أن يعيشوا بمفردهم في هذه السن المبكرة وفي مجتمع كمجتمعنا، وعليه فكيف يلاحظ الوالدان أو الأقرباء هذا الانحراف أو التمادي فيه دون أن يوجهوا أي نصيحة أو ملاحظة أو أن يقوموا مبكراً بأي مبادرة للتقويم أو الردع؟ كيف تسمح الأم أو الأب لابنتهما بكل هذا التمادي في التشبه بالشباب وأمام ناظريهما، ثم لا يجدان في ذلك ما يستدعي التدخل السريع قبل أن تتفاقم الأمور؟
كثير من بيننا من يطالب بتقنين ثياب الأجانب، خاصة من النساء، على اعتبارها تشكل خروجاً على دين وتقاليد البلد، وهي مطالبة في محلها بلا شك، لكن ألا يفترض بنا أن ننظر إلى هؤلاء الذين يخلطون كثيراً بين الحرية والانفلات، هؤلاء الصغار الذين لا يعرفون على وجه الدقة معنى الحرية ومعنى الاستقلالية ومعنى بناء الشخصية والاختيار والقرار؟ تلك مفاهيم كبرى تحتاج إلى خبرة ومعرفة وتربية وتوعية كي نفكك تشابكاتها وملابساتها الكثيرة، حتى لا يقع هؤلاء في شر هذا الالتباس، وتكون النتيجة هذه الظواهر المستفزة التي لا أجد للآباء والأمهات أي مقدرة على معالجتها أو التعامل معها بالشكل المطلوب.
في أكثر الأحيان يحزنني منظر هؤلاء وأشعر بأنهن أو أنهم مهملون يفتقدون القدوة والحنان والتوجيه، أكثر من كونهم منحرفين بالفطرة.