دأ الطيران بمحاكاة الإنسان للطيور والتي ولدت لديه إحساسا بأنه مقيد على سطح الأرض، مما دعا بعض المغامرين في العصور الإسلامية أمثال عباس بن فرناس بالقفز من أعلى الجبال مستعين في ذلك بأجنحة ثبتت حول ساعديه، معتقدين أن أجنحة الطيور هي سبب رفعها في الهواء فقط. وبالرغم من الحوادث المؤسفة التي انتهت بها تلك المحاولات إلا أنها كانت خطوة في طريق التقدم في مجال الطيران
حتى نهاية القرن الثامن عشر لم يكن قد تحقق أي تقدم يذكر في فن الطيران سوى الجهد الذي قام به ليوناردو دافينشي حيث صمم نوعا من الباراشوت عبارة عن خيمة من الكتان على شكل هرم مدعيا أن في مقدور الإنسان أن يهبط بها من أي إرتفاع شاهق دون أن يصاب بأذى
تمت أولى التجارب الناجحة في 18 أغسطس عام 1709م على نموذج للبالون كوسيلة للطيران، حيث قام مارتولو ميودي جوسماد بعرض بالون مملوء بالهواء الحار الذي يسخن بواسطة مادة شمعية تشتعل في صفيحة معلقة في البالون وارتفع البالون إلى اثنى عشر قدما
صنع كايلي طائرته الأولى عام 1804م التي كانت نموذج منزلقا مثل الطائرة الشراعية اعتبرها كثير من المؤرخين الطائرة الأولى في التاريخ، أثبتت تجارب الطيران قدرتها على الطيران مما دفع كايلي إلى بناء طائرة كبيرة الحجم لا تحمل إنسانا مساحة أجنحتها حوال عشرين مترا مربعا، وحاول كايلي إضافة محرك لطائرته الشراعية إلا أن المحرك البخاري الذي كان شائع الإستخدام في ذلك الوقت كان ثقيلا جدا لا يمكن استخدامه في الطيران
حاول هينسون أحد كبار المعجبين بكايلي تصميم مركبة هوائية بخارية ضخمة ولكن واجهته ذات العقبة التي واجهت كايلي من قبل ألا وهي وزن المحرك البخاري
وعاود المحاولة واستعان بمهندس يدعى جون وبنى الرجلان نموذجا طوله ستة أمتار للمركبة البخارية وزواداه بمحرك بخاري صغير خفيف الوزن نسبيا وطار النموذج بشكل أو بآخر في أحد الإختبارات عام 1848م فكان هذا الإختبار أول محاولة لإستخدام الدفع الميكانيكي في الطائرة
أخرج الفونس بينو رائد الطيران التالي لهينسون أول تصميم لطائرة لها استقرار ذاتي وطارت طائرته المسماة بلانوفور البالغ طولها نصف متر التي استمدت القدرة من شريط من المطاط يدير مروحة في ذيلها بنجاح أمام المشاهدين عام 1871م
وأهتم بينو بعد ذلك بالطائرات الحاملة للبشر فصمم طائرة برمائية من طراز بالغ التقدم لها كثير من صفات الطائرات الحديثة مثل المروحة التي في المقدمة وإرتفاع الجناحين إلى الأعلى وموجه واحد للتحكم في عملية الطيران كلها وقدر بينو سرعة طائرته بمائة كيلومتر في الساعة لو أنه حصل على الدعم المالي لكنه لم يحصل عليه ولم تصنع الطائرة
لم يعلم بينو عند مماته بأنه أسهم إسهاما غير مباشر في مستقبل الطيران، فقد أشترى شخص يدعى ميلتون رايت أحد نماذج بينو التي تستمد قدرتها من شريط المطاط وأعطاه لولديه ولبور وأورفيل
ومن هذه اللعبة الصغيرة التي دارت في مخيلة الغلامين بدأ التفكير في نماذج أكبر حيث صمم الأخوان رايت محركا خاصا بهما يزن 82 كيلوجرام ويولد 13 حصانا وبنيت أول طائرة مزودة بمحرك في صيف 1903م وكانت مزدوجة الأجنحة طول باعها 12 مترا وبلغ وزنها 275 كيلوجرام وكانت مروحتها تدور بواسطة عجلات مسننة من النوع المستعمل في الدراجات وتتصل بمحور المحرك بواسطة سلاسل حديدية وكانت تتكىء عند إطلاقها على مركبة صغيرة ذات عجلات
وقام ولبور في 14 ديسمبر 1903م بالمحاولة الأولى وتحركت الطائرة على قضبان الإنطلاق وأرتفعت فترة قصيرة ثم انخفضت سرعتها عن سرعة الطيران وسقطت على الشاطىء الرملي، وأعترف ولبور الذي لم يصب بأذى بأنه هو الملوم وليست الطائرة، ولم تصب الطائرة سوى بأضرار طفيفة وكانت معده لتجربة طيران أخرى بعد ذلك بثلاثة أيام وكان هذا دور أورفيل حيث تركت الطائرة المركبة التي تستند إليها بعد أن جرت مسافة قصيرة على القضبان وترنحت مسافة 36.5 مترا فوق الرمال وقال أورفيل أن هذا الطيران لم يدم سوى 12 ثانية، إلا انه كان على الرغم من ذلك أول طيران في تاريخ العالم رفعت فيه طائرة تحمل رجلا نفسها في الهواء معتمدة على قدرتها الذاتية
ولقد مرت الطائرات بتطورات كبيرة وكثيرة في السنين التي تلت التجارب واستطاعت طائرة الأخوان رايت أن تصل سرعتها إلى 50 كيلومتر في الساعة بينما تزيد سرعة الطائرات الحربية عن 3200 كم في الساعة والطائرات التجارية عن 1000 كم في الساعة والكونكورد تتجاوز الألفين كم في الساعة في وقتنا الحاضر