لا تنحصر مشكلة تعمد الإفطار نهار الصوم في شهر رمضان المبارك بين المراهقين، إذ تجاوز الأمر إلى من هم في مراحل عمرية أكبر، ولدى الجنسين، وتجد لكل واحد من هؤلاء حجته وتبريره لما يرتكبونه بدون مراعاته لمشاعر الصائمين.
ويعزو اختصاصيون هذه الظاهرة إلى غياب الوازع الديني والتوجيه التربوي والاجتماعي والإعلامي، إلى جانب ضعف الرقابة الأسرية، مما يجعل الأمر يكبر مع هؤلاء، وينقلونه بدورهم إلى أجيال أخرى.
وينقسم مفطرو الشهر الفضيل إلى فئات مختلفة، فمنهم من يعلم بخطورة الإثم ويقصد فعله وارتكابه والمجاهرة فيه، ومنهم من يفطر، لأنه يستطيع السيطرة على شبح الجوع ولا يقوى على الصيام، فيستهين بما يفعله، لأنه ليس على علم بعقوبة ذلك، والبعض يدخل في ذلك من باب
عدم المبالاة.
ويشعر الخمسيني أبو عزيز بالأسى على هؤلاء الشباب الذين يتعمدون الإفطار في رمضان، ويقول "تجد أولئك الشباب يجاهرون بشرب الماء والعصائر، وتدخين السجائر أمام أصدقائهم والمارة بدون خجل أو إحساس بالإثم".
ويستغرب أبو عزيز مثل هذه السلوكات التي "تؤذي مشاعر الصائمين وتنتهك حرمة الشهر الكريم".
الطالبة الجامعية سارة عبد الله تشير إلى "أن المجاهرة بالإفطار أمر شائع بين الطلبة، وهذا ما كنت ألاحظه خلال الفصول التي كان يأتي فيها رمضان ونحن على مقاعد الدراسة".
وتذهب إلى أنه خلال الأعوام الماضية "كان الشباب والفتيات يحترمون حرمة رمضان، ويبدو ذلك من خلال لباس الفتيات والتزامهن بالصوم أو حتى عدم مجاهرتهن بالإفطار إذا كن غير صائمات".
وتستغرب عبدالله من الأشخاص الذين يمتنعون عن تناول الطعام خلال النهار في الأيام العادية، لأنه ليست لديهم "قابلية للطعام"، مضيفة "هؤلاء يختلف الأمر بالنسبة لهم في رمضان، حيث تحلو لهم إقامة ولائم وتجهيز الساندويشات وما يرافقها من مشروبات، ويستمتعون بتناولها أمام أعين الناس".
ومن ناحية شرعية، تبين مدرسة التربية الإسلامية في إحدى المدارس الخاصة مي خصاونة، أن المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان "حرام"، موضحة أنه تقع على فاعلها عقوبة شرعية وهي "التعزير"، ويكون للحاكم الحق في تحديدها، تبعا لأفكار الشخص المفطر والمجاهر بإفطاره، وبناء على عدد مراتها.
وتشير إلى "وجود شباب في مجتمعنا يفطرون بغير حق شرعي ولا رخصة؛ كالإفطار جراء الشعور بالتعب أو الإرهاق من الدراسة أو العمل أو اللعب"، منوهة إلى أنه ليس لهؤلاء أي "عذر شرعي"، إذ يستطيعون المواصلة والصبر والإمساك واحتساب الأجر في الصيام.
ويذهب أبو مؤاب إلى أن مسؤولية هؤلاء الشباب المجاهرون بالإفطار تقع على عاتق الأهل، إذ "تجب عليهم متابعة أبنائهم وتقويم أخطائهم وتصويبها"، لافتا إلى أن هنالك أهالي يقومون هم بالأصل بالإفطار والمجاهرة أمام أبنائهم، ولا يصلحون كقدوة.
ومن جهته، يرى اختصاصي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية د.حسين خزاعي أن هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الشباب والفتيات لتبني هذه التصرفات السلبية والغريبة، ومن أهمها "ضعف الوازع الديني"، رائيا أن هناك ضغوطات أسرية واجتماعية واقتصادية مختلفة يعاني منها بعض الشباب والفتيات، ومن أشدها رفقاء السوء والارتباط الشديد معهم وتقليدهم، وحب الظهور ولفت انتباه الآخرين، والرغبة بالانتماء لجماعة معينة في العمل أو الدراسة مثلا.
ويردف "إلى جانب ضعف الصلة والارتباط بالله تعالى، والاستجابة العاجلة لهوى النفس ودواعي الشيطان، وضعف ظاهرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضعف التربية الذاتية والاعتناء بالنفس، فكلها أمور تجعل المسلم جاحدا للنعم، فيفطر ويجاهر بإفطاره".
أما من ناحية تربوية، فيؤكد التربوي د.محمد أبو السعود "أن إهمال بعض الأهالي للأبناء وعدم مراقبتهم، يجعلان الطفل غير مكترث ولا مبال، ولا يهتم بمعرفة تعاليم دينه الصحيحة، ومن بينها أهمية الصوم وآدابه وعقوبة تاركه، فتكبر المعصية والجهل معه، فينشأ جيل عاص وجاهل لا يعلم من تعاليم الدين شيئا".
ويرى أبو السعود أن الحل لهذه المشكلة يكمن في "تكثيف توعية الشباب والفتيات بضرورة التمسك بتعاليم الدين الحنيف، وذلك من خلال تنفيذ البرامج الإرشادية والدينية".