حكايات الثروة والحب والطلاق
من الطبيعي أن تستوقفنا هذه الحكايات الغرائبية والأخبار التي لا تبدو طبيعية أبداً في سياقها المنشور، لكننا كقراء مضطرون لأن نقرأها ونصدقها أولاً ونصدقها، فإذا أردنا التأكد ما علينا سوى أن ننبش في النت وفي غير النت بحثاً عن تفاصيل أخرى تزيل الغموض، وتجعلنا أكثر تقبلاً لمنطق تلك الحكاية التي تقول إن رجلاً خليجياً طلق زوجته لأنها قامت بحشو السمبوسة بالجبن بدلاً من اللحم الذي أحضره خصيصاً للسمبوسة، فكيف نتقبل أن رجلاً مسلماً عاقلاً صائماً يفطر على افتعال مشكلة مع زوجته بسبب سمبوسة ؟ وأن يطلقها ويطردها خارج المنزل للسبب نفسه؟
ألا تعتقدون معي أن هناك جزءاً ناقصاً في الحكاية لم يذكره الخبر؟ ألا تعتقدون أن المحرر الذي حرر الحادثة أرادها خبراً مشوقاً لافتاً وقصة خبرية طريفة يتندر بها الناس في محادثاتهم وجلساتهم وأجهزة “بلاك بيري” لا أكثر؟ ألم يكن في وسع المحرر أن يتحرى الدقة أكثر مما فعل وأن يغوص في تفاصيل الحياة الزوجية أو في طبيعة الرجل أو المرأة أو تاريخ الزواج الممتد لـ10 سنوات ليعرف السبب الحقيقي للطلاق؟ فلا يمكن أن يطلق رجل عاقل زوجته من أجل سمبوسة إلا إذا كان غير عاقل أو كانت هناك أسباب خفية متراكمة استدعت أبغض الحلال عند الله!!
إن نشر أخبار كهذه تحمل لدى صناع الأخبار طرافة من نوع ما، كما تمثل توجهاً لما يعرف بصحافة الإثارة وجذب القراء من أجل جذب المزيد منهم ورفع المبيعات، بهذه الأخبار وبما يشببها، كما يعتقد بعض القراء أن هذه الطرافة أفضل كثيراً من أخبار الدمار والقتل والسلب والنهب التي باتت خبراً ثابتاً في كل صحف الدنيا، ولكن إذا أمعنا النظر وقلّبنا هذه الأخبار على جميع الوجوه لوجدنا لها أثراً سلبياً على الصعيد الاجتماعي، كاستسهال الطلاق بالنسبة للزوجين، وعدم احترام الحياة الزوجية إلى درجة التضحية بها لمجرد حشوة سمبوسة!
الأهم من كل ذلك، هذه الصورة السيئة التي نقدمها لأنفسنا وللآخرين عن الرجل المسلم الصائم الذي لا يكاد يحتمل شيئاً وتبدو أعصابه كسلك كهربائي مكشوف قابل للانفجار في أية لحظة، بينما هو في الحقيقة في خضم عبادة جليلة يؤديها طائعاً محتسباً لله تعالى، ولذلك فقد ساءني ذلك الذي علق قائلاً: ليس عليه حرج فالرجل صائم وأعصابه “مش مستحملة”!!
في المقابل، فإن وسائل إعلامنا تنقل حكاية أخرى خلاصتها أن أميرة إسبانية في الثمانين من عمرها قد تخلت عن ثروتها الطائلة وقصورها الـ12، وأراضيها الممتدة على طول إسبانيا وعرضها، وعن تحف وأعمال فنية لا تقدر بثمن، ومساحات شاسعة من العقارات، كي تتزوج من حبيبها موظف الضمان الاجتماعي الذي يصغرها بـ25 عاماً.
وتمسكاً بالحبيب وتضحية من أجل الحب، فقد قامت الأميرة بتقسيم ثروتها بين أبنائها الستة لإقناعهم بأن حبيبها الفونسو دياز يريدها هي، وليس أموالها ولا ممتلكاتها التي صنفتها الحكومة باعتبارها إرثاً وطنياً لا يحق لها التصرف فيها، خاصة القصور والتحف!
العجوز التي تتحدث بصعوبة صدّقت أن الفونسوا يريدها هي لا ثروتها، والصحافة الإسبانية استقصت كل صغيرة وكبيرة عنها وقدمتها كامرأة “مش خرفانة”، بل مضحية لأجل الحب، ما جعل الناس والعناوين الصحفية تأتي في صالحها على الرغم من أنها قصة تدعو للضحك فعلاً، فماذا يعني ذلك؟.
موضوع: حكايات الثروة والحب والطلاق 
12/8/2011, 12:57
