أكرم زعيتر

لم يعرف أكرم زعيتر لنفسه حياة خاصة خارج إطار القضية التي نذر نفسه للدفاع عنها، ودفع من حياته واستقراره ثمنا لذلك سجنا وغربة وتشريداً، حتى ارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية في كل مراحلها، رغم انه حافظ على مسافة واضحة بينه وبين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي عاش فترة من الزمن في أجواء بنادقها .

لا يختلف اثنان على نزاهته ووطنيته وموقفه العروبي الناصع، لذلك كان طبيعيا أن تختاره الحكومة الأردنية سفيرا ًفي لبنان بعد أحداث أيلول الدامية، لقدرته على تمثيل الأردن في تلك المرحلة، وقدرته على تطبيب بعض الجروح النازفة، وإعادة فتح بعض قنوات الاتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية التي ظلت تكن له الاحترام والتقدير، وظل سفيرا ًفي العاصمة اللبنانية حتى عام 1975، أي بعد قرار قمة الرباط باعتبار المنظمة ممثلا ًشرعيا ًوحيدا ًللشعب الفلسطيني، ليخلفه في منصبه وليد صلاح .

أكرم زعيتر المولود في نابلس عام 1909، وقد كان والده الشيخ عمر زعيتر رئيسا ًلبلديتها، تفتح وعيه على رحيل الأتراك العثمانيين عن فلسطين بعد هزيمة بلادهم في الحرب العالمية الأولى، وليشهد طلائع قوات الانتداب البريطاني وهي تفرض احتلالها على فلسطين.

أكمل دراسته الثانوية في كلية النجاح الوطنية بمسقط رأسه، قبل أن يدرس لمدة عام في الجامعة الأميركية في بيروت، ليلتحق بعد ذلك بمعهد الحقوق في القدس .

عمل مدرسا ًفي ثانويات نابلس وعكا، لكنه ذهب لتقديم استقالته من الوظيفة الحكومية بعد أن تأكد له تورط قوات الانتداب في التآمر على شعبه ووطنه، فعمل رئيساً لتحرير صحيفة " مرآة الشرق " لكن الأجهزة الأمنية اعتقلته وفرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينته، ليتم اعتقاله مرة أخرى في معتقل عوجا الحفير أيام كان اللورد كارادون حاكما ًعسكريا ًلنابلس .

احد ابرز قيادات حزب الاستقلال الذي انتدبه للمشاركة في تأبين ملك العراق فيصل الأول، وهناك عمل مدرسا في دار المعلمين العالية واسهم في تأسيس نادي المثنى ونادي الجوال القومي، وهما ناديان تبنيا بث الفكر القومي بين شباب العراق.

عاد إلى مسقط رأسه وعمل مدرسا ًفي كلية النجاح ومع اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936 كان أكرم زعيتر أمين سر اللجنة القومية في نابلس التي تبنت مع باقي اللجان الدعوة للإضراب الكبير، وكان له دور بارز في ذلك .

لم تكن حياة أبي سري هادئة في فلسطين، بعد أن حدد خياراته في التصدي لسلطات الانتداب والعصابات الصهيونية، فظل ملاحقاً، ما اضطرته الظروف لمغادرة وطنه أحيانا، وأثناء وجوده في سورية ساهم في تأسيس عصبة العمل القومي في الثلاثينيات وكان نائبا ًلرئيس مؤتمرها، كما شارك مع مجموعة من المجاهدين الفلسطينيين في أحداث ثورة رشيد عالي الكيلاني في ايار1941 في العراق، وبعد إخفاق الثورة لجأ إلى سورية ومنها إلى تركيا التي فرضت عليه الإقامة الجبرية حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، فعاد إلى سورية وعمل مع حكومتها مستشارا ًلوفدها في جامعة الدول العربية، قبل أن يترأس عام 1947 وفدا ًعربيا مهمته شرح إبعاد القضية الفلسطينية لدول أمريكا اللاتينية، ليختاره احمد حلمي عبد الباقي وزيرا للمعارف في حكومة عموم فلسطين التي تشكلت عام 1948 .

عينته الحكومة الأردنية سفيرا ًفي دمشق عام 1962 لينتقل عام 1964 سفيراً في طهران، وقد انتدبته الحكومة عام 1963 ليكون رئيس وفدها للمشاركة في الدورة السادسة عشرة للأمم المتحدة، ليصبح عام 1966 وزيرا ًللخارجية في حكومة الرئيس وصفي التل الثالثة، وليشارك مرة أخرى في جلسات الأمم المتحدة ويكون صوته عالياً في الدفاع عن قضية فلسطين، وهناك التقى ثانية اللورد كاراودن، الذي كان قد اعتقله قبل ثلاثين عاما ًفي نابلس، وهو يمثل بريطانيا ًفي مجلس الأمن وأهداه قصيدة رقيقة، ظلت موجودة بين أوراقه، ليصبح بعد عام وزيرا للبلاط الملكي.

أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت صيف العام 1982 كان أكرم زعيتر يقيم في العاصمة اللبنانية، مشاركا في حراكها الثقافي والسياسي، رئيسا للمركز الثقافي الإسلامي فيها، وقد اخترقت قذيفة إسرائيلية جدران منزله لتحرق مكتبته، ويخسر أكرم زعيتر جراء ذلك جزءا من أهم الوثائق والمخطوطات التي احتفظ بها، وقد مثل حريق المكتبة فاجعة شخصية كبرى لهذا العلامة الذي قد لا يتكرر.

عاش سنواته الأخيرة في عمان، وقد شغل منصب رئيس اللجنة الملكية لشؤون القدس، وعضوية المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ـ مؤسسة آل البيت، ومجمع اللغة العربية الأردني.

وقد اختير أبو سري عضوا في مجلس الأعيان لأكثر من دورة وعضوا في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني.

ارتبط الراحل الكبير بعلاقات صداقة مع ابرز أدباء العربية في عصره، ومن بينهم ساطع الحصري وبدوي الجبل وقسطنطين زريق وغيرهم، وقد ترك عددا كبيرا من المؤلفات التي تمثل ذاكرة للأمة وأجيالها، وتؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني.

ينتمي لأسرة نابلسية عريقة، وشقيقه العلامة عادل شيخ المترجمين العرب، وابن شقيقه وائل المثقف والسياسي الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في روما 1972، وأنجب الراحل ولدين وبنتين هم سري وأيمن ورزان وعروب، وقد أطلقت مؤسسة الاسوار في عكا عام 2008 جائزة أكرم زعيتر لحفظ التراث الفلسطيني.

في الحادي عشر من نيسان 1996 توفي أكرم زعيتر عن سبعة وثمانين عاما في عمان ودفن فيها، وهو شخصية فلسطينية وعربية بامتياز من الصعب أن يجود الزمان بمثلها في المدى المنظور.

مشكورة دلع على ما قدمتي

لا شكر على واجب كلام