القناعة كنز الحياة
القناعة عكس الخنوع والركوع، وهي ضد الطمع والجشع والهلع.. فعندما يقتنع الإنسان بما لديه، ويعيش حياته متأنساً بما عنده، متوافقاً مع ما تجود به عليه قدراته، متسقاً مع واقعه المادي والمعنوي، فإنه بذلك يطرد الغل ويقاوم بشجاعة معطيات الزمن، ويستطيع أن يعيش حياة سعيدة رغيدة، هانئاً مستقراً متعافياً من أمراض جسدية جمَّة وأعظمها أمراض القلب والأورام الخبيثة.
هذا ما أظهرته دراسة نشرتها صحيفة الاكسبريس، من المؤكد أن الأفراد القانعين يعيشون سعداء، فلذلك لا يرهقون قلوبهم بالقلق والتوتر والاكتئاب، حيث إن معظم الأمراض الجسدية سببها نفسي وهذا ما يطلق عليه الأمراض “السيكوسوماتية” وهي أمراض “نفسو جسدية”.. الطموحات جميلة والتطلعات نحو الأجمل والأكمل أمور رائعة، ولكن عندما تصير الطموحات جشعاً، والتطلعات هلعاً، فإنها تنهك وتفتك، وتهلك كل من يقع تحت سطوتها ولظاها الحارق.. في عصر العيون الزائغة والعقول الفارغة، والقلوب المتفرغة لدى طبول الجشع، أصبح الإنسان فريسة لكل جديد، وضحية كل ما لدى غيره، الأمر الذي يجد معه الكثير من الناس أنفسهم لاهثين خلف سراب، لا يجدون من ورائه غير الأرض اليباب، والحظ الخراب، والصدمات النفسية التي تودي بالحياة وتطيح بكل ما يسعى إليه الإنسان.
في زمننا هذا هناك جري وراء أوهام، وركض على أرض مفخخة بالألغام، ونظر إلى خلاء لا شيء فيه غير الإبهام والإدغام، فترتفع حرارة الديون، وتتضاعف آلام العلاقات الاجتماعية، فالرجل يريد أن يملك سيارة فارهة شبيهة بالتي عند زميله في العمل.. والمرأة تطالب زوجها بأن يشيِّد لها قصراً منيفاً كما هو بيت جارتهم، مؤثثاً بأجود أنواع الأثاث الأوروبي، ولا تريد الأرائك التي يخيطها نجارون آسيويون، جافة عجفاء تقصم الظهر، والأولاد يضغطون بكل قوة، وبكل ما أوتوا من أسلحة الدمار الشامل، وهي العواطف الأبوية، يريدون أن ينحازوا إلى ابن جارهم الغني، ويشتروا دراجات نارية ذات السرعات الفائقة، ليجوبوا بها تضاريس الأرض، ويلامسوا غيوم السماء.. فماذا يفعل هذا البائس العابس، غير أن يستدير جانباً، ويسأل خبراء قبله، غرقوا في هذا البحر، بحر القروض، ثم يرفع بصره، مستجيباً بضراعة الآباء الذين يحبون أبناءهم، ولا يستطيعون أن يرفضوا لهم طلباً حتى وإن كانت هذه الطلبات مثل الكنبات الخشبية، تقصم الظهر وقد تضحي ببعض الأبناء المتهورين.. قضية شائكة مبعثها ثقافة جديدة غزت العقول واستولت على البصائر وما الأمر مجرد حاجات إنسانية.. ثقافة غيَّرت وسوَّرت الأذهان، بحزمة من المعطيات التي لا فكاك منها، ولا انفكاك عنها، وهي تجري مجرى الدم في الشريان، وتسطو على مشاعر الناس، وكأنها القدر المحتوم.. وتغيير هذه الثقافة يحتاج إلى شجاعة الفرسان، وإلى مضادات حيوية ثقافية قوية، تقاوم هذا الزحف الثقافي المصطنع.. التغيير يحتاج إلى إيمان راسخ بأهمية القناعة لأنها الثراء الحقيقي والسبيل إلى السعادة النفسية
موضوع: القناعة كنز الحياة 
19/7/2011, 08:07
