أثبت
المتخصصون في علم الأجنة أن جسد الجنين ينشأ من شريط دقيق للغاية يسمى
"بالشريط الأولي" ، هذا الشريط يتخلق في اليوم الخامس عشر من تلقيح البويضة
وانغرازها بجدار الرحم ، ونتيجة لظهور هذا الشريط يبدأ تكون الجهاز العصبي
، وبدايات العمود الفقري ، وبقية أعضاء الجسم ، أما عند غياب أو عدم تكون
الشريط الأولي فإن هذه الأعضاء لا تتكون ، وبالتالي لا يتحول القرص الجنيني
البدائي إلى مرحلة تكون الأعضاء بما فيها الجهاز العصبي .
ولأهمية
هذا الشريط الأولي جعلته لجنة وارنك البريطانية - المختصة بالتلقيح
الإنساني والأجنة - العلامة الفاصلة بين الوقت الذي يُسمح فيه للأطباء و
الباحثين بإجراء التجارب على الأجنة المبكرة الناتجة عن فائض التلقيح
الصناعي في الأنابيب ، فقد سمحت اللجنة بإجراء هذه التجارب قبل ظهور الشريط
الأولي ، ومنعته منعاً باتاً بعد ظهوره ، على اعتبار أن ظهور هذا الشريط
يعقبه البدايات الأولى للجهاز العصبي .
وما
أن ينتهي الشريط الأولي من تلك المهمة في الأسبوع الرابع ، حتى يبدأ في
الاندثار ويبقى منه جزء يسير في نهاية العمود الفقري ، وهو ما يعرف بالعصعص
، ولا يكاد يرى بالعين المجردة .
وقد
حاول مجموعة من علماء الصين من خلال عدد من التجارب المختبرية إفناء هذا
الجزء (نهاية العصعص ) ، عن طريق إذابته في أقوى الأحماض ، أو حرق ، أو
سحقه ، أو تعريضه للأشعة المختلفة ، فلم يستطيعوا ذلك .
هذا
الجزء من الإنسان هو عجب الذنب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في عدد
من الأحاديث ، قبل ألف وأربعمائة سنة ، وبين أنه يركب منه أول مرة ، و أنه
هو الذي يبقى بعد وفاته وفناء جسده ، ومنه يعاد خلقه مرة أخرى إذا أراد
الله بعث العباد للحساب والجزاء ، حيث ينزل الله عز وجل مطراً من السماء
فينبت كل فرد من عجْب ذنبه ، كما تنبت النبتة من بذرتها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين النفختين أربعون قالوا: يا أبا هريرة أربعون
يومًا؟ قال: أبيت ، قالوا: أربعون شهرًا ؟ قال: أبيت ، قالوا: أربعون سنة ؟
قال: أبيت ، قال: ثم يُنْزِل الله من السماء ماء فينبتون ، كما ينبت البقل
، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب ، ومنه
يركب الخلق يوم القيامة ) رواه مسلم ، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب ) ، وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد قوله عليه الصلاة والسلام : ( يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجبَ ذنبه ، قيل : ومثل ما هو يا رسول الله ؟ قال : مثل حبة خردل منه تَنْبُتون ) .
فهذه
الأحاديث النبوية قد بينت هذه الحقيقة العلمية التي لم يتوصل إليها العلم
الحديث إلا في السنوات الأخيرة ، وهو ما يؤكد صدق نبوة المصطفى صلى الله
عليه وسلم ، وتلقيه ذلك عن الخالق سبحانه وتعالى ، الذي يعلم من خلق وهو
اللطيف الخبير ، أظهرها الله عز وجل في هذا العصر ، إعجازاً وتحدياً لكل
جاحد ومكذب ، وذلك مصداقاً لقوله سبحانه : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } .