العوالمة والمرأة العربية
************************************
لقد أستخدمت العولمة المرأة كوسيلة للدعــايـة وأهمـلت المرأة كـعـقل وكيان إنساني محترم , ولا تكتمل روؤية الكون والحياة بدونها , وحولت العولمة المرأة إلى سلعةٍ إستهلاكية , بحيث شوهت كثيراً من المعالم النيرة لهذا الكائن الأنيق والجميل الذي يكتنزالحب والحنان والأمومة والعاطفة .
والعولمة بخيرها وشرها قدر لا مفر منه , ولن يستطيع أحد الحؤول دون توقف الـمعلومـات التي سوف تؤدي إلى إحداث تغييرات في آفاق الوعي لدى الأفـراد , فـهـؤلاء يشاهـدون العالـم وهـم في غرفة الجلوس , ويستطيعون مشاهدة جوانب مختلفة من العالم والحضور ذهنياً في أنحاء مختلفة منه في آن واحد , وما عاد باستطاعة الإنسان أن يبقى معزولاً ( 1 ), فلا نستطيع عزل المرأة عن العولمة ووضعها في قفص حديدي يحجبها عن العالم , فالعولمة حاضــرة في كل الأرجــاء وليس باستطاعتنا أن نغلق أبوابنا , فهي تتسلل إلينا عبر الأثير على شاشات التلفاز والفضائيات , نشاهدها ونلمسها في كل مكان , في الموسيقى وعلب السجائر والملابس والــمواصلات وحـركة السوق والأشربة والأطعمة والتكنيك.
وجـل ما ركزت عليها الورقة هو تجليـات العولمة في حياة المرأة والأسرة , واستخدام العــولمة للمرأة كسلعة في السوق الأمــر الذي ينتقص مــن مكانة المــرأة وتحويلها إلى كائن سطحي يلبـي اللذائذ والرغبات , ومع كل ذلك كان لابد من إبراز الفوائد الكبيرة التي تجنيها المرأة من العولمة خاصةً إذا ما تم الاستغلال الأمثل للجوانب المضيئة والمفيدة في العولمة والتي تعتبر نقطة تحول كبرى في تاريخ البشرية , هذا ويتكون البحث من النقاط التالية :-
1- العولمة والتفكك الأسري .
2- المرأة كـسلعة للجنس والإثارة .
3- العولمة والتغير في حياة المرأة .
** أولاً:- العــولمة والتفكك الأســري
العــولمة ببعدها الســياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافـي , هــي ضــم العــالم تحــت مظلــة واحــدة تطـال كل فــروع الحيــاة ومنها المرأة . فالمرأة تقــف في قلــب المجتمــع وهـــي المكــون الرئيسي للأسرة فبــدونها يتعــذر الحــديث عن الأسرة على اعتبار أن الأسرة اللبنـــــة الرئيسية للمجتمـــع ويتعــذر وجود أسرة سليــمة دون زواج شــرعي ورابطــة دم وتربية الأبناء وســكن يعيشون فيــه في ظــل تســاكن اجتماعي وثقافي ومعيشــي وعـلاقات عـاطفية وإنسانـية حميـــمة .
ومــن أجــل تغيير المجتمــع في عصــر العولمة على الطـراز الغربي , لابـد مــن تغيير الأسـرة أو المــرأة على وجــه الخصــوص . فإذا كان لابــد أن تنشــأ الأســرة لــدينـا على زواج شــرعي معترف بــه مــن ناحــية شــرعيــة واجتماعية , فإنه ليس بالضــرورة لديهــم أن يكــون زواجــاً شــرعياً ويمكــن تكـوين الأســرة على أسـاس مجمــوعـه مكــونه مـن الأشخاص يعيشــــون تحــت سقــف واحــد حتـى في ظـــل انعدام المرأة والأولاد ورابطــة الــدم , ويرتكزون على مصالح اقتصادية واجتماعية وثقافيـة معينــة , وليس بالضــرورة أن تكــون الأســرة شــرعية تشــتمل على رجــل أو امرأة , وقــــد تـتكــون مــن رجــال دون نســاء أو نســـاء دون رجـــال.
وفي النهاية
للعـــولمة إيجابيات لا تحصــى وعلـــل كثيرة وعلى رأسها تراجــع معاني الحــب والعاطفة والعفاف النزيه عنــد المرأة والرجل , ففي عصــر العولمة يميـل الناس وراء المحـسوسات والمصالح واللــذائذ والإبتكارات , ويهملون العالم الداخــلي للإنسان الذي يتميــز بخــواء روحــي بما في ذلك المرأة . الإنســان الحديث مشــغول بنمــوه المادي وبالجانب البراجماتي من الواقع : إنه مثل حيوان مفترس حائر فيما يفترســـه : لقــد أختفــى إهتمام الإنسان بالعالم الأعلى المفارق وأصبــح الإنسان الأن يتطــور مثل دودة الأرض : أنبــوب يبتلع الأرض ويخلف وراءه القليــل . لــو أن الأرض أختفت يوماً ما فذلك لأن الإنسان قــد أتــى عليها ولن يكون هــذا مستغرباً .
ما فائدة الصـــعود إلى الفضــاء مادام ينأى عن المشكلة الأهــــم: التناغم بين العقل والمادة ( 22) والشــيئ الوحيــد النادر المفقـــود الذي لا أجـــده , هــو الإنســان , ذلك الإنسان الحقيقــي الذي يحمــل في صــدره قلــباً حيــاً , نابضــاً متدفقــاً , لا مكينــة متحركــة , فقــد خضـــع الإنســان لحياة الماكينات خضــوعاً جعلــه لا يفكــر إلا في الماكينة وأصبحــت خواطــره ومشاعره كلها ماكينات , وتتســــم بمزايا الجمادات والفولاذ , فلا رقــة فيها ولا مرونــة , ولا ليــن , ولا نعومةَ, وقــد بعُـد عهــد العيون بالدموع , وعهــد القلوب بالخشــوع , تلك هــي الحقيــقة التي لمستها في الولايات المتحدة الأمريكيــة ( 23) .
وإن كان للعولمة نقاط ضعــف جمــة أهمــها إنفــلات العــلاقات الإنسانية النبيلة وإكتساح المادية الفاحشـــة حياة المرأة والرجـل وبزغت إلى الســـطح القســوة التي أهلكــت الرقــة ومعاني الرفعــة والســمو في القلوب , إلا أن للعولمة بصمــات مضيئة لا تخطئها العين في التقــدم والتحضــر وفتح آفاق للعلــم والمعرفــة وإتســاع ثقافـة الحقوق والمشـاركة وإعتراف وإحترام الناس بعضــهم لبعـــض وتوســع روح التسامــح الإنساني وسعــة مشاركـة المرأة في الفضـاء العام والتخلص التدريجي من الدونية و الأنانية وإحتقار المرأة .
منقول عن محاضرة تحت عنوان المرأة في زمن العولمة
******************************************************************************