بـالأمـس ظـلام ، و بالظـلام أشـياء ، و بـالأشـياء شـيء رأيـتـه ، و شـيء سـمعـته ، و شـيء لـمستـه ، وشـيء عـشـته .....بـالأمـس أغـمضـت عـينـي عـلى مـا رأيـت ، والـيـوم أيـضا سأغـمـضهـا ، ولن أغـمضهـا لأنـي وقـواق جـبان، ولـكـنـي سأغـمضـها مـن الـوجل والـخـوف و مـن الـشئ الـذي رأيـته ، وهــذا الـشـئ الـذي رأيـتـه أغـرب مـن الـخـيال ، كـما أن هــذا الشيء أثـار فـي الـعديد مـن الأسئلة ، لأن الذي رأيتـه ربـما هوّ ما رأيتـه بالأمـس ولذلـك وجـلت وخـفت .
مـا رأيـتـه اليـوم يـتجـلى فـيه كـل شـيء ، و هـذا الشـيء لا يـتجلـى إلا بـالنـور ، وذلـك النـور لا حـاجـة لـي بـه إن كـنت سـأرى وسـأسمـع و سـألـمـس و سـأعـيـش نـفـس الأشـياء التي رأيتهـا بالأمـس ، و لا أدري إن كـان ذلـك الـنـور دلـيـل على اليـقـضة أو دلـيـل على الخـيـبة ، والحـقـيقة هـو دلـيل عـلى فـقدان الـجـواب ، ولذلـك أغـمضت عـيـني .
ولـكن ، لقـولـه تـعـالى " إتـقـو إذا مـسهـم طـائف مـن الشـيطـان تـذكـروا فـإذا هـم مـبصـرون " . لأجـل هـذه الأيـة هـمـرت عـينـي و فـاضت بالـدمـع ، ولأجـل هـذه الآيـة وصوصـتهـا وصـغرتـها لأتـثـبت الـنظـر ، ولأجـل هذه الآيـة بـّصتـهـا وفـتحتـهـا كـليـا ، فـأبصـرت وأدركـت أنـي بأرض مـسـتوبـد و جـاهـل بـهـا ، وأدركـت أنـي بـأرض وحـيدة مـستـويـة ، كـما أدركـت أنـي بـأرض هـيخـمـة مـطـمإنـة ، بـل هـي رمـال مـشـيت عـليهـا فـي وكـب و تـمـهل ، ومـا أصـعب السـير فـوق الهـدف والـكـثب ، و مـا أصـعب السـير فـوق الـرمـل . وقـفت لأرتـاح قـليلا كـي أواصـل ، لـكن الـمـاء الـهـامر الـكـثـير أدركـني قـبل أن أغـدو إلـيه ، ثـم تـراجـع إلـى الـوراء .
مـازلـت واثـرا ثـابتا فـي مـكـانـي لا أتـحـرك ثم فـكـرت فـي أن أدركـه ، لـكـن كـلـما فـكـرت فـي أن أهـن و أقـترب مـن هـذا الـمـاء إلا وتـأخـر ، وكـلمـا إقـتربـت مـنه شـبرا إبـتـعد عـنـي ذراعـا ، وكـلـما إقـتربت مـنه ذراعـا إبـعد عـنـي بـاعـا ، وكـلمـا إقـتربـت مـنه بـاعا إبـتعد عـني فـرسـخـا ،وكـلـما إقـتربت مـنه فـرسـخا إبـتعد عـني سـبعا ، حـتى بـان هـرير و ضـرب مـن السـمـك و هـذا السـمـك ربـمـا لا هـضل ولا سـائق لـه
قلــــــــــــــــــت : " كـيف السـبيـل لبـلـوغ هـذا الـماء ؟
قال سمك القـرش: " إعـلـم يـرحـمـك الله ، كـي تـبـلـغ هـذا المـاء يـجـب أن تـأخـذ وقـية مـن الـخـنـجان ، وقـليلا مـن الثـرثـار ، وضـعـفـه مـن السـلاسل ، وعشـر مـن الـكـابة الهـنديـة ، وزد عـليـهـم ذرة مـن الـفلفـل الـرومـي ، وثـمـن مـن دار الصـينـي ، و بـعض مـن القـرفـة ، وجـوز الـطـيب ، ولـسان عـصفـور ، و قـاع قـلـة ، ثـم إسـحـقـهـم سـحـقـا نـاعـما و إشـربـهـم فـي مـرقـة ، و مـن الأفـضـل أن تـكـون مـرقـة دجـاج وهـذاالـدجـاج أبـيـض لا لـون فـــيـه ، و يـجب أن تتـنـاولـهم فـي الـصباح كـي يـأتيـك الـمـاء فـي الـمـساء " .
قـــال الهـلـقـــام : " إعـلـم أبـقـاك الله أيـهـا الـوزيـر، أنـه إن لـم تـبلـغ الـمـقـصـودعـليـك بـذكـر شـعـرلـه سـبـع بـحـور، و لا تـأتـي إلا بـأهـمـهـا ، و إن أتـمـمـت فـمـن عـنـدك . "
قـــال الـقيـطـس : " إعـلـم سـبـعـك الله أيـهـا السـبـع ، إن لـم تـبلـغ الـمـقـصـود و لـم تـأتـي بـالـمـوعـود ، فـيـجـب أن تـأتـه بـسـبع أسـمـاء لـسـبـع بـحـور وإن أتـيـت بـالمـطـلوب سـيعـطـيك أحـدهـم فـي عـقـد مـكـتـوب
قـال الـخــيـلان : " و أعـلـم يـا مـتـقـدم ، قـدمـك الله ، إن لـم تـبلغ الـمـقـصـود و لا تـعرف للبـحار وجـود أعـطـيه تـأشـيرة الـشـنقــاي و ليس لهذه التاشـيرة حـدود و لـك مـنه الـوعـود . "ا
سمك المـنـشـار : " و إن لـم تـبـلغ الـمـقـصـود آتـه بـسـع حـروف . "
قلـــــــــــــــــت : " يـا قـرش إن طـلـبك مـرفـوض و طـلبـك هـذا مـن الـكـبائر وأعـلـم أن الـمـنجـم كـذب و لـو صـدق ، وأعـلم أن مـرق الـدجـاج و الدجـاج الأبيض لـيس الأفـضـل و أعـلـم أن الـكـثـير كـره مـذاقـه فـمـا بـالـك بـأكـله .
و أنـت يـا سـمك الـهـلقـام أنـا لـست بـوزيـر فـالـوزيـر لـه الـتـدبـيـر وإن لم يحـسـنه يـطير، وأخـاف أن يـطـير بـرأسي و أعـلـم أن لالشـعـر سـتـة عــشـرة بـحـرا فــمـنـهـا مـن عـروضـها حـذاء و ضـربها مضـمـر، و منهـا مـن عـروضهـا مـجـزوء و ضـربـها مـجـذوف ، ومـنهـا مـن عـروضـها مشـطـوروضـربها مـنهوك ، ومـنـهـا مـن عـروضها مـقـبوظ وضـربـها مـقـصـور ، ومـنها مـن عـروضـها مـجـبون وضـربـها مـبـتور، و مـنها مـن عـروضـها مـطـوي و ضـربـهـا مـكـسـوف .
و أعـلم يـا هـلـقـام أن الـمـجـزوء يـذهـب بـعـروضـه و أخـاف أن يـذهـب بعـرضـي ، و الـمـشـطـور يـذهـب بـنصـفـه وأخـاف أن يـذهـب بـشـطـري ،والـمنـهـوك يـذهـب بثـلـثه و الـثلث لا يـنجـي ، و الـمصـروع يـتغـير عـرضـه بـزيادة أو نـقصان وهـذه الـزيادة أو النـقصـان لا يـستحـقهـا ، و إن كـان بـحـركـم هـذا إسمـه بـحـر ولـقـبه وافـر فـإنـه لـم يـوفـر لـي شـيء ، و إن كـان لـقـبه كـامـل فـإنـه لـم يـكـمـل لـي شـيء، و إن كان لـقـبـه رجـز فـأخـاف أن أكـون مـن الـرجز ، و إن كـان لـقـبه مـتقـارب فـأراه مـتبـاعـد ، وإن كـان لـقـبه مـتدارك فـكـيف أدركـه ، وإن كان لـقبه طـويـل فـلا حـاجـة لـي بـطـولـه ، و إن كان لـقـبه مـديد فلاأخـاف جـزره ومـده .أمـا أنـت يـا قـيطس ، فـأنـا لـست بـسـبع ، والسـبـع إن خـدعـته بالـكـلام الـجـميل إنخـدع ، و إن كـشـف أحـد عـن عـورتـه حـين يـلتـقـي بـه يـذهـب ، و إن نـادى أحـد بإسـم دانـيال عـليـه الـسلام يـأخـذ الـعهد عـليـه بـأن لا يـظـره ، و أنـا لا أريـد أن آخـذ عـهدا مـنه فـمن طـبـعي لا أظـر ، و إن أردت للـبـحار أسـمـاء فـأنا أسـمع الـكـثـير عـنهـا و أدرك عـدهـا رغـم أنـي لـم أدرك واقـعـهـا، وإن كـنت تـظـن بـأنـي أفـضل البـحر المـيت فـهو حـي لا يـمـوت ، و إن كـنت تـفضل لـي البـحر الأحـمـر فـهـو مـنقـسم إلى قـسمـين ، و أخـاف أن يـقسـمـني ليـمتص دمـائي و دمـي نـادر فـيشـربـه مـجـانا و يـعطـيه بـاهـضا ، وإن كـنت تـفـضل لـي البـحر الأبيـض فـأخـاف هـيـجـانه و وأخافه أن يهـلكني كما هلك غـيري عـندعـبوره ، وإن كنت تفضل لي بـحرالـعرب فـلم يـبقـى له إلا الإسـم، كـمـا أخـاف تـياراتـه، و إن كـنت تفضل لي البـحـرالأصـفـر فـإنـي لا أري فيه لاغـيرة ولا حـرقـة ، و إن كـنت تفضل لي بـحـرالـخـرزفـأخـاف أن يـضـيق بـي ، و إن تـريد نـي أن أمـلك البـحرالأسـود فـلا حـاجـة لـي بـه لأن الذي رأيـته فـي الـماضـي يـحـمـوم شـديد الـسـواد والـذي أريده اليـوم شـيء مـغـاير للأسود ، ومغاير لذلك النورومغاير للماضي . "
قـال البحـــر: " بـل أنـا المـضـارع والمـضارع عـروضـه صـحيح و ظـربـه صحيح ، و أنـا البـسيـط و سـأبسـط لـك كـل شـيء ، و أنـاالسـريـع و سأسـرع بـك ، و أنـا المـنسرح سـأسرحـك مـن كـل شـيء ، وأنـا الـخـفيـف و سـأخـفف عـنك كـل شـيء " .
قلــــــــــــت : " بـل أنت بـحر هـلقم تـلتهـم كـل شـيء ، و إن كـان ضـربـك صـحيح فـأنـا لا أخـاف ضـربـك ، و مـن يـنصـره الله فـلا غـالب لـه، وإن كـنت البحرالبـسيط فـأنـا لا أريـد بسـاطـتك لأنـك مـعـقـد ، وإن كــنت البحـرالـسـريـع فـأنـا فـي غـنـا عـن سـرعـتـك فـفـي الـتأنـي السـلامـة ، و إن كـنت البحرالسـريح فـلا أبـالي بتسـريحـك لي ،لأنـني لسـت مـقـيـد ، أمـا إن كـنـت الـبحـرالخـفـيـف فلا أريـد خـفتـك لأن مـن خـفت مـوازنـه فـهـو فـي هـاويـة ، والهـاوية نـارحـاميـة ،
أمـا أنت يـا خـيلان فـطـلـبك أكـثـر مـن مـسـتحـيل ، و أنـا لـست كـمـا تـزعـم بـأنـي مـتـقـدم بـل قـالـوا عـني مـتـأخـر و أمـرت بـأن أكـون كذالـك فـلـفـضـت كـماتـفض الـنـواة .
موضوع: حكايتي مع السماء 
16/10/2010, 06:20
