سان بطرسبورغ.. بيتروغراد.. لينينغراد.. ويمضي قطار العمر

سان بطرسبورغ.. بيتروغراد.. لينينغراد.. ويمضي قطار العمر

من «الارميتاج» إلى «السيمفونية السابعة»



سان بطرسبورغ: سامي عمارة
من الاسم التاريخي «سان بطرسبورغ»، نسبة إلى القديس بطرس أحد حواري السيد المسيح، الى مدينة «بتروغراد» في اشارة الى اسم بانيها في عام 1703 القيصر بطرس الاكبر وحتى «ليننغراد» تخليدا لاسم لينين زعيم البلاشفة الذي اطلق منها اشارة البداية لثورته في عام 1917 يمضي قطار العمر الذي بلغت معه آخر محطاته في مارس (آذار) عام 1991. آنذاك استعادت المدينة اسمها التاريخي في استفتاء شعبي سجل احدى سخريات القدر من خلال الاعلان أيضا عن تمسك اغلبية المشاركين فيه ببقاء الاتحاد السوفياتي! نسماتها مفعمة بأطياب رياح الشمال، معمارها ترانيم جميلة تخفق على وقعها القلوب، فيما تبدو سماؤها صافية تارة، ملبدة تارة أخرى بغيوم تنال أحيانا من أحلام زوارها في ليلة من لياليها البيضاء. مبانيها وميادينها مجللة بهيبة ماض تليد تفوح منه أطياب تاريخ ثري ثراء الحياة، لتشكل سيمفونية معمارية تجمع بين الاصالة والبساطة فتنساب لحنا عذبا يتعالى على نحو تبدو المدينة معه اشبه ببطاقة دعوة مفرطة في الاناقة. من موقعها على ضفاف بحر البلطيق في الشمال الغربي من أراضي الدولة الروسية، وعند النقطة التي يتعانق فيها نهرها الخالد «نيفا» مع الخليج الفنلندي، تقف في شموخ تكشف لك عن مفاتنها، تناشدك ان تنضو أسمال الرهبة، يصرخ سكونها دعوةً للاستمتاع بلياليها على وقع الجمال الذي قال عنه ابنها الكاتب الروسي الذائع الصيت فيدور دوستويفسكي انه ينقذ العالم.
مع حلول صيف كل عام تعود «سان بطرسبورغ» لتتصدر قائمة رغبات الملايين من الباحثين عن الجميل وعن الفريد والمتميز. فيها يتواصل الماضي مع الحاضر، ومعها تنسج «لياليها البيضاء» صورة مخملية يتقافز بين ورودها عشاق الجمال، لتبدو مرتعا للصبا والشباب. وها هي ضحكات الصبايا وأقرانهن من تلاميذ المدارس الثانوية المتوسطة تتعالى صافية رنانة فرحة بالتخرج في مثل هذا الوقت من كل عام. في اطار تقاليد زاهية يحتفل الصغار بهذه المناسبة. يخرجون مع قرب منتصف الليل مسربلين بما تناثر من أشعة شمس ترفض الغروب. تصدح أغانيهم صافية رنّانة احتفالا بنهاية مرحلة عمرية يُشهدون عليها نهرهم الخالد « نيفا» قبل ان ينفض عن كاهله مياه سرعان ما تحتويها أمواج بحر البلطيق. يتدفقون زرافات للاحتفال معا مع زوار المدينة وعشاقها ممن جاؤوها بحثا عن جمال التاريخ وغرائب الجغرافيا. على ضفاف النهر تتراجع الاحزان وتصفو القلوب وتنساب الالحان ابتهاجا بلحظة ارتفاع الجسور ايذانا بمرور السفن صوب البحر والنهر بين رحلات الذهاب والاياب. وحين تكتمل الاسطورة وتعود الجسور الى سابق عهدها يندفع الجميع.. كلٌ في طريق. «الارميتاج».. دعوة مفرطة في الأناقة على ضفاف نهر «النيفا» تجتمع مكونات الاسطورة التاريخية وراء جدران «الانسامبل» المعماري الفريد النمط الذي يحمل اليوم اسم «الارميتاج». و«الارميتاج» الذي طالما كان معنى للعزلة والوحدة، صار اليوم مقصد عشاق الفنون والباحثين عن الجمال بعد أن تحول الى أحد أهم متاحف العالم. سلسلة من القصور تحتضن في رقة أهم الكنوز الفنية التاريخية من إبداع أنصع العقول والأخيلة على مدى تاريخ البشرية. ولم تكن هذه القصور مجرد أبنية معمارية، بل كانت ولا تزال تحفا معمارية فنية من نتاج عدد من أهم فناني ومعماريي العصر مثل فالين الذي استجاب لنزوة جديرة بالاحترام أعربت عنها قيصرة روسيا يكاتيرينا الثانية بحثا عن الفريد، وراستريللي الذي شيد «قصر الشتاء»، وديلاموت الذي صمم مبنى «الارميتاج الصغير»، وفيلتين صاحب رائعة «الارميتاج الكبير». أما «الارميتاج الجديد» فكان من تصميم المهندس المعماري كلينيتس.

البداية تعود الى رغبة وهواية راودتا بطرس الاكبر مؤسس روسيا الحديثة. قال بضرورة جمع أندر الاعمال الفنية لتكون تراثا وتاريخا. لوحة لفنان مجهول حملت اسم «محاكمة المسيح» أطلقت صافرة بداية رحلة لم تتوقف حتى اليوم. صدرت التعليمات الى الرسل والاتباع بجمع اللوحات ذات القيمة الفنية العالية والتماثيل والمشغولات الذهبية، وكانت مقدمة لمجموعة كبيرة من 255 لوحة فنية اقتنتها القيصرة يكاتيرينا الثانية سدادا لدين تاجر الماني عجز عن الوفاء به وضمت عددا من اهم اعمال الفنانين الهولنديين والالمان منها «بورتريه الشاب ذي القفاز» لفرانس هالس (المدرسة الالمانية). ومن التاريخ نذكر قصة الامير جوليتسين سفير روسيا في باريس الذي استطاع جمع اكبر مجموعة من الاعمال الفنية اودت بها الانواء الى قاع بحر البلطيق بعد غرق السفينة التي كانت تحملها على مقربة من الشواطئ الفنلندية. ومع ذلك فقد أسعده الحظ في نجاة مجموعة أخرى كان قد أرسلها برا ومنها لوحة «عودة الابن الضال» للفنان ريمبرانت والتي تستقر اليوم الى جانب غيرها من اعمال المشاهير في احدى قاعات الارميتاج. وفي اطار سباق محموم بين سفراء الامبراطورية استطاع السفير الروسي في لندن اثراء المجموعة القيصرية بما يقرب من مائتي لوحة فنية من مجموعة احد اللوردات البريطانيين منها «حمالو الاحجار» لردينز، و«تضحية ابراهيم» لريمبرانت و«بورتريه فتاة» لفان ديك. واذا كان ثمة من اعتبر قرار القيصر نيقولاي الاول حول تحويل «الارميتاج» الى متحف عام مع منتصف القرن التاسع عشر نقطة تحول في مسيرة رفده بالاعمال الفنية الجديدة فان واقع اليوم يقول بان السلطة الرسمية سواء في روسيا القيصرية او الاتحاد السوفياتي السابق لم تقصر في الحفاظ على القديم ومواصلة تقديم المزيد من الجديد الذي يمثل مختلف الحضارات في مختلف الأزمان والعصور وإن شهد «الارميتاج» بعــــض تعرجات التاريخ حـين كان هدفا للبلاشفة الذين استهدفوه وكان آنذاك مقرا لاجتماع الحكومة القيصرية في 25 اكتوبر 1917. ورغم كل تجاوزات وأحزان العصر فقد عاد «الارميتاج» ليجد السلوى والملاذ بين أحضان السلطة السوفياتية التي هبت لانقاذه يوم داهمت المدينة جحافل النازية مع اولى سنوات الحرب العالمية الثانية. «الارميتاج» ملحمة فنية وأسطورة تتجاوز أبعادها حدود الزمان والمكان بقاعاته الرحبة وديكوراته الخالية من التكلف فيما تنسج مفرداته وأجواؤه المميزة المفعمة بقليل من الرطوبة بطاقة تعارف مفرطة في الاناقة تدعونا الى التسامي فوق احزان التاريخ. السيمفونية السابعة ليست بكاء على الأطلال

* «التاريخ يستمد أصوله من بداية قرن يصفونه بالجنون والحكمة». هكذا قال اديب العصر راديشيف تعليقا على حروب بداية القرن العشرين ولم يكن ليتصور على ما يبدو ان يكون العقد الرابع من نفس القرن تاريخا لملهاة سجلتها جحافل الفاشية يوم داهمت هذه المدينة الجميلة الوادعة بعد منتصف احدى لياليها البيضاء !. ألف يوم استغرقتها ملحمة البطولة دفاعا عن المدينة المحاصرة... وثمانون دقيقة هي عمر تلك السيمفونية الخالدة التي عكست بطولات أبنائها. في هدوء جليل استمع العالم الى حفيف أنامل الموسيقار الشاب دميتري شوستاكوفيتش. في رائعته «القوية» التي حملت اسم «السيمفونية السابعة» قال الموسيقار الحالم كلمته التي عاد الاديب الروسي الكسي تولستوي ليشير الى انها تظل صفحة في تاريخ الوطن وان خاتمتها بداية طريق رائع تحف به الافكار والعواصف، وعالم مليء بالاضواء التي تمسك بتلابيبك لتطيح بك كالعاصفة، ثم تعود وتلقيك في هدوء على شاطئ الاحلام.. شاطئ المستقبل. قال تولستوي: «لقد أصاخ شوستاكوفيتش السمع وأنصت إلى نبض الوطن ليكتب «أغنية الانتصار» مقدمة لتكريس موقع المدينة الخالدة في سجل أهم المراكز الموسيقية العالمية». ويبقى ان نقول ان المدينة تبدو اليوم متحفا مفتوحا في الهواء الطلق بـ «حديقتها الصيفية» وما تعمر به من تماثيل، و«قلعة بطرس وبافيل» في جزيرة فاسيلي، وقصورها التاريخية التي لم تتسع لها المدينة فانتشرت في ارجاء متفرقة من ضواحيها التي تحمل اسماء «بوشكين» و«بافلوفسك» و«قرية القيصر ـ تسارسكويه سيلو» و«بيترغوف» بقصره الكبير وقاعة العرش، الى جانب أندر مجموعة تاريخية من اللوحات والتحف و نافورات المياه التي ثمة من يقول باحقيتها في الانتماء الى عجائب الدنيا.

وليس من رأى كمن سمع أو قرأ.. انها دعوة مباشرة الى السفر الى سان بطرسبورغ، قلما يمكن ان تجد من يرفضها. المساحة

* تبلغ مساحة مدينة سانت بيترزبورغ 1439 كلم مربع، وتبلع المسافة التي تربط شمال المدينة بجنوبها 44 كلم و25 كلم بين الشرق والغرب.

الارتفاع عن البحر

* تقع المدينة على ارتفاع 42 مترا فوق مستوى البحر.

المسافة الى المدن المجاورة

* ـ تالين عاصمة استونيا ـ 330 كم ـ هيلسينكي عاصمة فنلندا ـ 383 كم ـ ستوكهولم عاصمة السويد ـ 710 كم ـ موسكو عاصمة روسيا ـ 650 كم.

البلدان المحاذية لها السويد والنرويج واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا والمانيا والدانمارك.

عدد السكان

* يبلغ عدد سكان مدينة سانت بيترزبورغ بحسب آخر احصائيات جرت عام 2003، 4.7 مليون نسمة مشكلين بذلك نسبة 3 بالمائة من السكان الروس بينهم نسبة 45.1 بالمائة من النساء و54.9 بالمائة من الرجال.

اللغة الرسمية الروسية.

قانون الإكرامية (البخشيش)

* من المعتمد في المدينة هو اعطاء العاملين في الفنادق والمطاعم ما يقارب نسبة 10 الى 15 بالمائة من مجموع الفاتورة، في حين انك لست ملزما باعطاء الاكرامية لسائقي التاكسي.

ضريبة السفر في المطار

* لحسن الحظ لا يفرض المطار أي نوع من الضرائب على المسافرين القادمين والمغادرين.

نظام الكهرباء

* اذا اصطحبت معك آلات كهربائية تنبه دائما الى قوة الكهرباء في البلد الذي تزوره، في سانت بيترزبورغ يتبع نظام كهرباء 220 فولت.

التوقيت المحلي

* التوقيت المحلي يتقدم بثلاث ساعات على توقيت غرينتش

يسلمو كتير على الموضوع الجميل

معلومة جديدة اشكرك