من أدب الشعوب أن سلحفاة كانت تعيش مع اثنين من أصدقائها النسور بجوار بحيرة ابتليت بالجفاف ، فقرر الأصدقاء الهجرة إلى بحيرة بعيدة. وكما هو واضح ، فالنسران سيصلان بوقت قصير ، أما السلحفاة فستموت عطشاً. هكذا كانت ستكون الأمور لو أن النسرين قررا ألا يحملا السلحفاة معهما.
بحث النسران عن عصا متينة ، وطلبا منها أن تعض عليها بقوة ، عندما يحملانها كل من طرف ويطيران. وقالا لها قبل الإقلاع: إياك أن تتكلمي ، إن تكلمتي موتي، ، إياك أن تفتحي فمك ، حياتك بفمك،. وبالفعل حلق النسران ، والسلحفاة معلقة بالعصا ، التي تعض عليها بكل ما أوتيت من قوة،.
مر الأصدقاء فوق قرية ، فقال مجموعة من الناس: انظروا إلى تلك السلحفاة ، كم هي ذكية وقوية ، إنها سخرت هذين النسرين الغبيين لحملها. يا لها من عظيمة،. وهنا أرادت السلحفاة أن تشكرهم على هذا الإطراء الجميل ، الذي أحدث شيئاً في نفسها ، لكنها تذكرت أنها ممنوعة من الكلام ، فسكتت متلذذة بنشوة عارمة.
تابع النسران طيرانهما المحلق ، ومرَّوا فوق قرية ثانية ، فقال بعض الرعاة: انظروا إلى هذين النسرين الذكيين وكيف يحملان هذه السلحفاة الخرقاء ، من المؤكد أنها ستطيب لعشائهما،.
يا لكم من رعاة حمقى ، لا تفهمون شيئاً ، أنتم بلهاء. أرادت السلحفاة أن تصرخ بهذا ، لكن وما أن تفتح فمها وتترك عض العصا: حتى سقطت كصخرة ثقيلة ، وتحطمت على الأرض ، وتفجر درعها ، وتبعثرت مثل زجاج متشظ،.
لا الإطراء ، ولا حتى الازدراء ، يجب أن يصرف المحلق عن هدفه الأسمى ، وعن ملاحقة الأحلام والطموح. فما كان لأية شتيمة أن تجعل السلحفاة تترك عصاتها وترد. فالمسبة أو الاحتقار ، تمثل رأي الذي يتلفظ بها ، ةالأجدر أن نداري لهيب شمعتنا من أنفاس الإطراء ، تماماً كما نداريها من نفس الازدراء. وهذه مثالية قلة من الناس يجيدونها ، أو يحسنون إتقانها،.
وسيبقى هناك من يعجبهم الإطراء وحده ، حتى لو كان زائفاً ، فبه لا تطول أرجلهم فحسب ، بل تكبر رؤوسهم ، ويتضخمون كالبلون ، أي أنهم يسمنون ، كما تسمن الجارية الحسناء ، من أذنها ، أي من الثناء وكيل المديح، ، وهنا ستواجههم مشكلة حتمية ، فهم لن يتقبلوا بعد مدة إلا المديح والإطراء ، بل سيتخذون في ذلك قاعدة (من ليس معي فهو ضدي)،. وهنا سيكون السقوط والتشظي. حماكم الله،