الإطار التاريخي للاقتصاد الإسرائيلي 11

قطاع الصناعة

بدأت تظهر في الاقتصاد الفلسطيني ظاهرة الازدواجية والتماثل(53) وذلك بعد ظهور قطاعات الاقتصاد اليهودي منفصلة عن قطاعات الاقتصاد العربي، ومن بوادر وجود القطاع اليهودي:

ـ بدأت تظهر شركات صناعية يهودية صغيرة جديدة، وبدأت رؤوس الأموال تتدفق مع المهاجرين الجدد بكميات هائلة جداً، وأصبح الوزن النسبي للصناعات يميل للجانب اليهودي من ناحية عدد الوحدات الصناعية، وحجم هذه الصناعات، وعدد العمال في كل منشأة، والأهم من ذلك حجم رؤوس الأموال التي تسـتثمر في قطاع الصناعة.

ـ أصبحت أبواب الاقتصاد الفلسطيني ولأول مرة في التاريخ تتسع لدخول وتغلغل المؤسسات والشركات الاحتكارية البريطانية للمشاركة في الاستثمارات إلى جانب الرأسمال اليهودي، وبدأ منذ ذلك الحين عملية التبعية، وربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاستعماري العالمي.

ـ بدأت الحكومة البريطانية ومنذ عام 1923 بمنح الامتيازات للشركات المزدوجة المكونة من شركات بريطانية ويهودية في نفس الوقت، وأول الامتيازات الأجنبية في فلسطين هي شركة كهرباء فلسطين للمهندس الروسي اليهودي الأصل بنحاس روتنبرغ، إضـافة إلى مصـانع أخرى مثل مصـنع الأسـمنت في حيفا (نيشر)، كما أسسـت شــركة شـيمن للزيوت سنة 1929، وشركة مطاحن فلسطين الكبرى في حيفا. ولا بد من الإشارة هنا أن اليهود يسيطرون على حوالي 90% من مجموع الامتيازات التي منحتها سلطات الانتداب البريطاني للاقتصاد الفلسطيني(54)، والتي تبلغ مجموع استثماراتها ما يقارب من 5789000 جنيه فلسطيني، والتي تستخدم ما يقارب من 2619 عاملاً أجيراً في ثلاث شركات فقط: وهي شركة كهرباء فلسطين، وشركة البوتاس المحدودة، وشركة الملح المحدودة في عتليت، وقد بلغ رأس المال المستثمر لهذه الشركات الثلاث حوالي 5200000 جنيه فلسطيني أي حوالي 90% من مجموع الاستثمارات التي تم توظيفها في شركات الامتياز، وتمتلك شركات الامتياز في فلسـطين حقوقاً وصلاحيات واسعة مثل حق الملكية في الأراضي، وحق إنشاء قوات حرس وطني لها وشرطة، وحق مصادرة أي أرض يراها مناسبة، وذلك بالاعتماد على قوانين الانتداب البريطاني التي تتعلق بالأراضي، في حين أن هذه الشركات لا تؤدي أي واجب أو خدمة للاقتصاد الفلسطيني، سوى نهب ثرواته وموارده الطبيعية وتحويلها للخارج أو لليهود في فلسطين.

ـ بدأ اليهود سراً بخلق البنية التحتية للصناعات العسكرية(55)، حيث تعود نشأتها إلى العام 1933 حين وجدت ورشة صغيرة في محطة المياه في أحد الأحياء اليهودية في القدس، وكان يعمل بها عامل يهودي واحد فقط، وهو في الجيش البريطاني.

ـ حسب إحصاءات 1922 فإن هناك 1236 محلاً صناعياً في فلسطين، يمتلك العرب منها ما يقارب من 925 محلاً وبنسبة 75%، أما اليهود فقد سيطروا على حوالي 301 ورشة صناعية وبنسبة 25%، وخلال مدة لا تزيد عن 6 سنوات، حتى العام 1928 وصل عدد المؤسسات الصناعية إلى 3505 محلاً صناعياً، كانت ملكية العرب منها بنسبة 65% فقط، أي 2253 محلاً، بينما زادت نسبة الملكية اليهودية إلى 35% حيث وصل العدد إلى 1252 محلاً، واستمر التغير في الميزان النسبي للطرفين وبدرجة ملحوظة خلال هذه الفترة، حيث امتلك اليهود ما يقارب من 72% من مجموع الصناعات لعام 1935، أي حوالي 872 محلاً، بينما تقلصت ملكية العرب إلى 28%، ووصل عدد ما يملكه العرب إلى 340 محلاً.

ـ زيادة الاستثمارات المقدمة عن طريق شركات الامتياز الأجنبية والسماح بتدفقها إلى فلسطين، حيث يسيطر اليهود على ما يقارب من 90% من مجموع هذه الامتيازات، لذلك تؤول رؤوس الأموال لشركات الامتياز في نهاية الأمر إلى الاقتصاد اليهودي، وكنتيجة طبيعية لهذا الأمر نجد أن(56) قيمة الاستثمارات الموظفة لعام 1922 بلغت 485 ألف جنيه فلسطيني بينما وصلت عام 1930 إلى 2,2 مليون جنيه فلسطيني في الجانب اليهودي فقط.

ـ مؤسسات النقل الرأسمالي، وهذه المؤسسات تسعى أساساً إلى التصدير إلى فلسطين والاستيراد منها، وقد استغل اليهود تلك المؤسسات حيث عقدوا اتفاقا يتم بموجبه تسليم كل الأموال التي يراد نقلها، لشركة مؤسسة النقل، وفي الطرف المقابل تقوم شركات النقل ببيع بضائع مصدرة من ألمانيا إلى فلسطين إلى يهود داخل البلاد، ويتم تحويل إيرادات هذه البضائع إلى الأشخاص الذين دخلوا إلى فلسطين، بعد أن أودعوا أموالهم في الشركة أثناء وجودهم في بلادهم، وقد بلغ حجم الأموال(57) المنقولة بهذه الطريقة حوالي 657 ألف جنيه فلسطيني عام 1934، وحوالي 1096 ألف جنيه عام 1936، بينما كان حجم المبلغ 1462 ألف جنيه فلسطيني عام 1937.

ـ قيمة الاستثمارات الصناعية للعام 1939 تبلغ حوالي 10893790 جنيه فلسطيني، يساهم القطاع الصناعي العربي فيه 703565 جنيه وبنسبة 6.5% من مجموع الاستثمارات، بينما يساهم القطاع الصناعي اليهودي فيه 40.3%، وتساهم شركات الامتياز بنسبة 53.2% من مجموع الاستثمارات، وبالنسبة لعام 1942 نرى أن هذه القيمة الكلية لحجم الاستثمارات الصناعية تبلغ حوالي 20518917 جنيه يساهم القطاع الصناعي العربي فيها بنسبة 10.3%، أما القطاع الصناعي اليهودي فيساهم بحوالي 58.9% وتساهم شركات بحوالي 30.6% لهذا العام، وعلى اعتبار أن نصيب الشركات الأجنبية والامتيازات يعود إلى القطاع اليهودي، فإننا نستطيع القول أن مساهمة القطاع العربي خلال السنوات 1939، 1942 تبلغ حوالي 6.5%، 10.2% على التوالي، في حين أن القطاع الصناعي اليهودي يساهم بحوالي 93.2% من مجموع الاستثمارات لعام 1939، وحوالي 89.5% لمجموع الاستثمارات، ولذلك كان من البديهي أن نتنبأ بحجم وملامح القطاع الصـناعي لدى الجانبين العربي واليهودي، وتأثير هذه الوسيلة على كل جانب، ويمكن القول أن عدد المؤسسات الصناعية العربية يصل إلى حوالي 1558 مؤسسة في حين أن المؤسسات اليهودية حوالي 1902 مؤسسة.

ـ كميات استيراد رأس المال الأجنبي إلى القطاع اليهودي في فلسطين(58)، في الفترة 1922 – 1939 بلغت حوالي 109 مليون جنيه فلسطيني، وفي الفترة 1940 – 1947 تم نقل 86 مليون جنيه فلسطيني، وبالتالي فإن حجم رأس المال الأجنبي المستورد من الخارج من طرف واحد حوالي 195 مليون جنيه فلسطيني، وعند توزيع هذه الأموال ونسبتها إلى مصادرها الأصلية الوافدة منها، نرى أن عملية نقل رؤوس الأموال عن طريق المهاجرين اليهود هي الوسيلة الأولى وهي أشد الطرق وأعظمها خطورة لنقل رؤوس الأموال وتقوية دعائم الاقتصاد اليهودي، فبلغت 75 مليون جنيه خلال 1922 – 1939، ووصلت إلى 35 مليون خلال 1939 - 1947، ويأتي بعدها الوسيلة الثانية وهي طريق مؤسسات النقل الرأسمالي اليهودية التي نجحت في نقل 65 مليون جنيه خلال الفترات المذكورة.

اقتصاد متكامل