عمود جيولوجي شامخ في وادي البطحاء

في واد سحيق في منطقة البطحاء ذات الهضاب الوردية والجغرافية القاسية التابعة للواء البتراء، رسمت الطبيعة لوحة فنية رائعة من دون أن تتدخل فيها ريشة فنان.

فبين جنبات هذا الوادي ومن أحد بطونه يخرج عمود ترابي وكأنه يد تمتد إلى السماء تحمل على كفها صخرة كبيرة تقف بشموخ وكبرياء في مشهد أوجدته الطبيعة بأدواتها، وما يزال يتحدى عواملها التي لم تنل منه منذ عشرات وربما مئات الأعوام.

هنا، وفي هذا الوادي ما يزال (منطار الذخيرة)، كما يطلق عليه أهل منطقة الطيبة، شامخا منذ زمن بعيد يعانق عنان السماء، ويستقبل الشمس صباحا ويودعها مساء ليرسم قصة عشق بين مكونات الطبيعة في صورة من صور التحدي والصمود في وجه كل من حاول إنهاء هذه القصة بإسقاط العمود والصخرة التي يحملها.

وارتبط اسم المنطار، وفق كبار السن في المنطقة، ببعض القصص والمشاهدات، إذ يروي الثمانيني أبو صالح نقلا عن والده أن ديكا اعتاد على الظهور على هذه الصخرة في أوقات المساء مطلقا العنان لصياحه الذي يملأ الوادي ويكسر رتابة الصمت التي تسوده باستمرار.

ويقول السبعيني الحاج عقلة خليفات إن تسمية المنطار بهذا الاسم جاءت بعد عدة محاولات فاشلة قام بها بعض السكان لإسقاطه، مستخدمين الذخيرة الحية.

ويؤكد السكان أن هذا الموقع، الذي ما يزال غير مكتشف من قبل الجهات الرسمية وخصوصا ذات العلاقة بالسياحة كسلطة إقليم البتراء ومحمية البتراء الأثرية، يستحق الدراسة من قبل الجهات الاكاديمية والعلمية المتخصصة، مشيرين إلى طبيعة المنطقة الجغرافية الصعبة وصعوبة الوصول إليها.

ويقول أستاذ قسم الهندسة البيئية في جامعة الحسين بن طلال الدكتور عمر الخشمان إن جنوبي الأردن يعد منطقة فريدة من نوعها من الناحية الجيولوجية من خلال ظهور العمود الجيولوجي فيها، إذ يمكن رؤية الطبقات الجيولوجية القديمة والحديثة ومشاهد جميلة رائعة ناتجة عن الحت والتعرية.

وأضاف أن هذا المشهد يوضح مدى تأثر المنطقة بعمليات التعرية والتجوية والنحت القوي للصخور الناتجة عن الرياح كونها منطقة مفتوحة، مشيرا إلى أن الرياح الغربية والغربية الجنوبية السريعة التي تهب على المنطقة تعمل باستمرار على نقل الحبيبات الصخرية من الصخور إلى الوادي على شكل فتات صخري، ما يؤدي إلى تعرية أجزاء كبيرة من صخور الوادي.

وتؤدي الأمطار والثلوج، وفق الخشمان، دورا آخر في عملية التعرية، إذ تعمل الأمطار على إذابة المواد الطينية والكلسية والكربونية اللاحمة بين الصخور، ما يضعف قوة تماسكها ويسهل تعريتها وتفتيتها، لافتا إلى تأثير التمدد والتقلص الصخري في تشقق الصخور وتفتتها.

بتمنى زيارتها
مشكوور على جهودك