آداب الأكل:
للأكل آداب، وللموائد قواعد:
فمن آدابه: غَسْل اليدين قبلَ الأكل وبعدَه، والتسميةُ عند الأكْل، وأن يأكَل بيمينه، ويأكل بثلاث أصابع، ويحمد الله بعدَ انتهائه من الأكْل، ويُستحسن أن يدعوَ لصاحب الأكْل إذا كان قد أكل عند أحد.
وينبغي أن يجتنب الأكل متكئًا، ولا ينفخ في الإناء ولا يتنفس فيه، سواء كان إناءَ أكْل أو شُرْب، ولا يقوم من المائدة مسرعًا لِمَا يسببه من إزعاج الآكلين، ولا يأكل بِنَهَمٍ، ولا يخبط في الإناء خبطًا، بل يأكل ممَّا يليه، ولا يأكل بشراهة حتى يمتلئ بطنُه، بل الأَوْلى أن يأكل ويشرب بمقدار الثُّلثَين، ويدع ثلثًا للنَّفَس، حتى لا يصاب بالتخمة، فُربَّ أكلة منعت أكلات.
هذه آدابٌ شرعيَّة، وفضائلُ إسلامية تتفق مع الطبائع السليمة، والعادات الرفيعة، وتتقبَّلها النفوس الصافية بحُبور وترحيب.
♦ كان أبو عبدالرحمن الثوريُّ يُقعد ابنَه معه على خِوانه يومَ الرأس، ثم يقول: إيَّاك ونَهمَ الصبيان، وأخلاقَ النوائح، ودعْ عنك خبطَ الملاَّحين والفَعَلة، ونهش الأعراب والمَهَنة، وكُلْ ما بين يديك، فإنَّ حظَّك الذي وقع وصار إليك.
واعلم أنه إذا كان في الطعام شيءٌ طريف، أو لقمة كريمة، أو بضعة شهية، فإنَّما ذلك للشيخ المعظَّم، والصبي المدلَّل، ولستَ واحدًا منهما، وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب الولائم، وتدخل منازل الإخوان وعهدك باللحم قريب، وإخوانك أشدُّ قرمًا إليه منك، وإنما هو رأسٌ واحد، فلا عليك أن تتجافى عن بعض وتُصيب بعضًا، وأنا بعدُ أكره لك الموالاةَ بين اللحم، فإنَّ الله يبغض أهلَ البيت اللحميِّين، وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
ورأى رجل رجلاً يأكل لحمًا، فقال: لحم يأكل لحمًا، أفٍّ لهذا عملاً.
وكان عمر يقول: إيَّاكم وهذه المجازرَ، فإنَّ لها ضراوةً كضراوة الخمر.
يا بُنيّ، عوِّد نفسك الأَثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهشْ نهش السِّباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكْل إدمانَ النعاج، ولا تلقم لقمَ الجمال، فإنَّ الله - تعالى - جعلك إنسانًا وفضَّلك، فلا تجعل نفسَك بهيمة ولا سبعًا، واحذرْ سرعةَ الكظَّة (الامتلاء من الطعام)، وسرف البطنة.
♦ قال أبو بكر الهذلي: إذا جمع الطعام أربعًا، فقد كَمُل وطاب: إذا كان حلالاً، وكثرتِ الأيدي عليه، وسُمِّي الله - تعالى - في أوَّله، وحُمِد في آخره.