أزمة سقف الدين الأمريكي
بقلم : نضال أحمد الخولي ..وكأن هذا ما كان ينقص الاقتصاد العالمي .. فبالرغم من توالي الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، جاءت هذه الأزمة لتعمق جراحات الاقتصاد العالمي وتقضي على بوادر الانفراج التي كانت قد بدأت تلوح في الأفق منذ أشهر قليلة، وفي هذه المرة الأزمة تهدد أهم مراكز قوى الاقتصاد العالمي وهو الاقتصاد الأمريكي، وأهم أدواته وهو الدولار، فماذا سيبقى للاقتصاد العالمي بعد ؟
منذ ألغت الولايات المتحدة الأمريكية ربط الدولار باحتياطيات الذهب في سبعينيات القرن الماضي، اعتمدت في تنمية اقتصادها على قدرتها على بيع دولارها للعالم مقابل مختلف السلع والخدمات، كما استطاعت بناء نظام اقتراض غير مسبوق تعيد فيه شراء تلك الدولارات التي ضختها للمصدرين مقابل أوراق تحمل اسماً آخر وهو "سندات الخزينة"، وهكذا اعتاد العالم على تلك العملية وبدأت عجلة ضخ السيولة وإعادة اقتراضها تدور، وكان لابد أن تصل الأمور لنهاية تقف معها أمريكا أمام استحقاق الواقع، وهو أنّ الاستمرار إلى مالانهاية في هذه العملية هو أمر غير ممكن..
هذه الأزمة ليست جديدة وكان العالم ينتظرها منذ سنوات، ولكنها كانت سهلة التأجيل، فبكل بساطة كانت تتم إعادة إصدار سندات خزينة جديدة كلما استحقت أية دفعة من السندات القديمة، والجديد في الأمر فقط أنّ الكونجرس الأمريكي قام مؤخراً بوضع حد أعلى للاقتراض، وعليه فقد توقفت آلية إعادة الإصدار تلك ولكن بعد أن زاد حجم الاقتراض على 14 تريليون دولار أي حوالي 100% من الناتج القومي الأمريكي.
مايدور الآن من نقاشات وسجالات بين الجمهوريين والديموقراطيين حول رفع سقف الاقتراض لا يتعدى كونه جزءا من السجال المزمن بين الحزبين منذ الأزل، ولا أعتقد أنّ أياً منهما يرغب في أن يأخذ أمريكا والعالم نحو كارثة اقتصادية مخيفة، ولكنّ كل طرف يرغب في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية قبل الوصول لاتفاق، وخاصة الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونجرس، ومما يدل على ذلك أنّ معظم الدين الأمريكي تراكم خلال حكومات جمهورية، وأنّ مبدأ التمويل بالعجز جزء لا يتجزأ من النهج الاقتصادي للجمهوريين، وعليه، فإن الأمر يبدو واضحاً بأنه عملية مفاوضات في اللحظات الأخيرة، كما أنّ هناك صلاحيات طوارئ يمكن أن يلجأ لها الرئيس الأمريكي لمنع الكارثة، ولكن لبعض الوقت.
إذاً فالحل المؤقت ممكن وهو مجرد وقت، ولكن المشكلة تكمن في الحل الدائم، فهل سيبقى الاقتصاد العالمي رهينا لتلك السيناريوهات المخيفة، فإفلاس أمريكا يعني إفلاس العالم ...، وليس من المعقول أن تفلس دولة تملك نصف اقتصاد وموارد وأسواق العالم، الحل يكمن في أسلوب إدارة الموازنة الأمريكية، فلم يعد ممكناً بعد أن تستمر عملية طباعة السندات والدولار بلا حدود تتناسب مع حجم الاقتصاد الفعلي، فيجب أن يتحمل الاقتصاديون الأمريكيون مسؤوليتهم ويعملوا على أن يأخذ الاقتصاد الأمريكي دوره في ريادة الاقتصاد العالمي "الحقيقي" المبني على أسس واقعية، فالمشكلة الأساسية ليست سقف الدين، ولكن المشكلة الحقيقية هي الدين نفسه.