تسلل النور إلى الغرفة فأسرعت نحو النافذة، أغلقت الستائر كي لا تداعب الشمس عينيك فتؤرقك.
كان الوقت قد حان، أحضرت حقيبتي، وضعتها أمامي ورحت أتأمل الغرفة التي ضجت بذاكرتنا حتى اكتست جدرانها البيضاء ألواناً بعدد دقائقنا وأيامنا فغاب البياض خلفها وكأنه هرب من شدةِ ربيعها.
نظرت إلى قلب حقيبتي الفارغ وأنا وسط حيرةِ الاختيار فقلبها الصغير لا يتسع لكل لحظاتنا لذلك كان لابد من الانتقاء.... سقطت من عيني دمعة لتحجز مكاناً في الحقيبة، هي نفسها تلك الدمعة القاتمة التي اعتقدتَ أنها تلونت ببقايا كحل ليل أمس ولم تدري أنها عبقت برماد قلبي، سقطت لتلحق بها باقة زهرٍ صفراء احتفظت بأوراقها بتولاً منذ عيدك الماضي وسيل نجومٍ انهمر فوقي ليقطر سحراً داخل الحقيبة وينير لافتة كتب القدر حروف اسمينا عليها في غفلةٍ منا؛ في الجيب الصغير حزمت رسائلنا ربطتها بشريطٍ وردي أبى أن يودع شعري يوماً ثم جمعت فراشاتي التي انتشرت في أرجاء الغرفة ترقص على موسيقى أغانٍ كتبت من نبضنا وذاكرة أصابعي تختزل وجهك عميقاً في قلبي.
سكن الزمان برهةً وأنا أطوف ثنايا ملامحنا المرسومة في الصور، استوقفني كل هذا الفرح الذي يجتاحنا ويلمع في عيوننا ليسكنها الحياة؛ اكتشفت حينها لأول مرة حقيقةً لم أرد تصديقها يوماً تبلغني أن الفرح هو أقصر اللحظات، كما الغاز الذي يملأ بالونات الأطفال يعلو بها ثم لايلبث أن يهرب منها ليتركها جثةً هامدةً تبللها دموع طفلٍ كنت مثله لا أعلم أن الفرح يفرغ من البالونات.
لملمت بقاياي وأغلقت حقيبتي وسط امتعاض ألف ذكرى وذكرى تريد الرحيل معي.... نظرت إليك وأنت تحلم أحلاماً تخلو مني، قبلت جبينك لأترك ذكرى أخيرة قد تصلك يوماً عندما تستفيق والشوق لإسمي يناديك، مررت يدي لأودع خصلات شعرك وسألت نفسي أن تكتب لك رسالة أخيرة؛ لكنها لم تستطع، أبت أن تكتب السطر الأخير وهي التي خطت لك من الحروف مداداً يختم كل مرةٍ بكلماتٍ تتوجك ملك الدنيا، عظيماً بحبي، قوياً بسيفٍ من روحي... سيفاً غرزته بين قلبي وصدري فأدميتني دون أن تقتلني... وياليتك فعلت.
فتحت الباب ومضيت دونما رسالة أخيرة؛ راحت خطواتي تشق الطريق إلى المجهول فأنا اليوم لا أستطيع العودة إلى بيتي لأحصي خطوات الأطفال وأذوب في ضحكاتهم، لذلك قررت والظلام يلفني أن اسكن جسدي لأتعلم أن أحبني... أنظر في المرآة لأعلن أني أجمل نساء الدنيا، أملك أحلى ابتسامة قد ترسم على شفتّي أنثى، عاشقة كل الورود، استثنائية الإحساس وعابقةً بأزهار ليمونٍ لا تذبل؛ لأُقَبّل روحي وقلبي ليل نهار كما كنت تفعل دائماً....
منقول