ارتفعت نفقات الحكومة المركزية في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام
عن الفترة ذاتها من العام الماضي بما نسبته 5 % بينما انخفضت الإيرادات 18
بالمائة عن الفترة ذاتها، فارتفع الدين الداخلي 16 بالمائة والخارجي بـ
2.2 بالمائة، وفي الوقت ذاته تراجع معدّل النمو الاقتصادي
من 7.9 بالمائة في العام الماضي إلى 2.9 بالمائة في الأشهر التسعة الأولى
من هذا العام أي أن الزيادة في الإنفاق الحكومي لم تؤد إلى تحفيز الاقتصاد الوطني.
شرح فرانسوا كيزني في كتابه "الجدول الاقتصادي" قبل 250 عاما مبدأ ترابط الاقتصاد
الكلي وقام ريتشارد كاهن في 1931 بقياس أثر الإنفاق الحكومي حين وضع
مصفوفة حسابية ومعادلة لحساب أثر الإنفاق الحكومي أو التخفيض الضريبي على
تحفيز الطلب الكلي (طلب القطاع الخاص الاستهلاكي والاستثماري وطلب
الحكومة)، وشرح بذلك فكرة "المضاعف" للإنفاق الحكومي، والذي يعني أن كل
دينار تنفقه الحكومة ينفق عدة مرات بعد ذلك فيكون أثره على الاقتصاد أكبر من قيمته.
وفي الحقيقة فإن حساب مثل هذا المضاعف وبالتالي أثر الإنفاق الحكومي على الاقتصاد يخضع للعديد من المحاذير، منها على سبيل المثال أن الإنفاق إذا ذهب إلى الأغنياء بدلا من الفقراء يكون له أثر أقل على الاقتصاد
الوطني لأن الفقراء ينفقون كل دخلهم بينما يخزن الأغنياء معظمه في البنوك
وربما خارج البلد؛ كما أن أثر الإنفاق يكون أكبر عادة في دولة متقدمة من
دولة فقيرة لأنه في حال الدولة الفقيرة يؤدي إلى رفع وتيرة الاقتراض
الحكومي وبالتالي مزاحمة القطاع الخاص وهروب الاستثمار. أيضاً يكون أثر
الإنفاق أكبر إذا تم في اقتصاد مغلق بدلاً من اقتصاد مفتوح فلا يتسرّب هذا الإنفاق خارج الاقتصاد
على شكل مستوردات. كما أن نوعية الإنفاق تؤثر في المضاعف فالإنفاق على
الجسور والسدود والجامعات والمستشفيات يكون له أثر أكبر على الاقتصاد
وعلى المدى البعيد من الإنفاق على رواتب وأجور موظفي القطاع العام. وإذا
كان التدخل الحكومي على شكل حوافز ضريبية فإنه عادة ما يكون أثره أقل من
أثر الإنفاق الحكومي المباشر خاصة في ظل الأوضاع الراهنة وأثر الأزمة الاقتصادية على المستهلك الذي يواجه أصلاً تراجعا في الدخل وبالتالي فإن الحوافز الضريبية لا تفيده لتدني دخله.
يواجه الأردن مشكلة تدني هذا المضاعف، أي الأثر الإيجابي للإنفاق الحكومي على الاقتصاد
الوطني، فيذهب 80 بالمائة من نفقات الحكومة المركزية (من دون احتساب نفقات
الدوائر المستقلة) كنفقات جارية، وإذا احتسبت نفقات المؤسسات المستقلة
أيضاً حيث ترتفع الأجور فيها عن أجور موظفي الحكومة المركزية فإن نسبة
النفقات الجارية من موازنة الحكومة تصبح 90 بالمائة، ما يقيّد من قدرة
الحكومة على تحفيز الاقتصاد، وبما أن الاردن اقتصاد
مفتوح وفقير فإن الإنفاق الحكومي يؤدي إلى تسرّب أكبر للإنفاق إلى الخارج
ومزاحمة القطاع الخاص كمستهلك ومستثمر من خلال رفع معدلات الفائدة، خاصة
إذا كان مصحوباً بالاقتراض الداخلي وبالتالي فمن الممكن الحكم على أن
الإنفاق الحكومي يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد في الأردن وليس العكس.