المادة السوداء





في عام 1932 افترض عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي فرتز زويكي أن الكون
يحتوي على مادة خفية لا




يمكننا رؤيتها وأطلق عليها اسم المادة السوداء (أو القاتمة أو المعتمة).




أما الذي دفع زويكي إلى وضع هذا الافتراض فهو أنه لاحظ أن بعض المجرات
الهامشية (المحيطية)




تتحرك بسرعة كبيرة جداً وأعلى مما هو متوقع لها.




وتوجّب وجود جاذبية كبيرة، أكبر من تلك التي تتوقعها قوانين نيوتن، حتى
تبقى هذه المجرات في




مواقعها. وهذه الجاذبية المفرطة يجب أن يكون مصدرها كتل ومواد أخرى غير تلك
التي تكتشفها مناظير




الفلكيين. وهكذا حدس زويكي وافترض وجود مادة خفية سوداء تكون هي سبب هذه
الجاذبية الزائدة.






منذ ذلك الحين (1932) أثارت المادة السوداء خيال العلماء وأشعلت حماسهم
للسعي لمعرفة كنهها.




فوضعت فيها فرضيات عدة وكتبت عنها أبحاث وأبحاث. واتفق الباحثون على أن هذه
المادة تشكل ربع مادة الكون.




لكن المشكلة الرئيسية والكبرى المتعلقة بالمادة السوداء هي أن جميع أجهزة الرصد الفلكي بمختلف




أنواعها قد عجزت عن ملاحظة هذه المادة أو رصدها أو كشف وجودها أو اعطاء
دليل ملموس على أنها
حقيقة واقعة.




فهل يكمن تفسير هذا اللغز في أن هذه المادة غير موجودة أصلاً، وأنها مجرد
وهم وخيال؟.






في كانون ثاني 2008 حانت فرصة لحل هذه المعضلة. توجهت الأنظار نحو القمر
الصناعي الأوروبي




المسمى ''انتغرال'' والذي وجه مراصده نحو مركز مجرتنا، درب التبانة، بهدف
الحصول على اثبات لوجود المادة السوداء.




فقد ساد اعتقاد بأن هذه المادة هي مصدر اشعاعات غريبة صادرة عن مركز المجرة
وتم رصدها في




سبعينيات القرن الماضي. وقد وضعت فرضية تنص على أن غيمة من جزيئات خفيفة من
المادة السوداء




في مركز المجرة، تتحول شيئاً فشيئاً الى المادة وضد المادة.




وبالذات الكترونات وبوزترونات (المادة التوأم للالكترونات ، وذات الشحنة
الموجبة مقارنة مع شحنة






الالكترونات السالبة) ثم تندمج المادة مع ضدها (كل الكترون مع بوزترون)
لتتحولا الى طاقة على شكل




أشعة غاما، وهي الأشعة التي رصدها الفلكيون في السبعينيات.






لكن القمر الصناعي الأوروبي قدم تفسيراً آخر لهذه الأشعة: إنها تصدر عن
بقايا أو جثث نجوم ميتة،






وبالذات نجوم ثنائية .. حيث يبتلع نجم هرم نجماً آخر مجاوراً له.ويطلق
جسيمات المادة وضدها والتي




بدورها تندمج وتتحول إلى أشعة غاما.




فلا حاجة إذن لافتراض المادة السوداء من أجل تفسير هذه الأشعة الصادرة عن
مركز المجرة.




في عام 1983 وضعت نظرية أطلق عليها اسم موند Mond وهي أوائل الكلمات




MOdified Newtonian Dynamics أي ديناميكا نيوتن المعدلة، وكان هدف التعديل
البسيط الذي أدخل




على معادلات نيوتن (التي وضعها اسحق نيوتن عام 1687) هو حل احدى المشكلات
الأساسية في الفلك. وهي سرعة الدوران الأكبر مما هو متوقع (حسب قوانين
نيوتن) للنجوم والمجرات. وإذا قبلنا بهذه التعديلات فلا داعي لافتراض وجود
المادة السوداء.


وهذا يعني أن علم الفلك يقف على عتبة مرحشة حاسمة من تاريخه، فإذا ثبتت صحة
نظرية موند، فإنه تلزم مراجعة شاملة لكل ما كتب في علم الفلك حول المادة
السوداء من أجل تفسير الظواهر الفلكية المرتبطة بها تفسيراً مختلفاً






ويقول رجال الفلك أن هذه المادة السوداء المظلمة هي مجموع الغبار الكوني
وسحب الغاز البارد وفقاعات كونية سابحة في الفضاء وكتل مادية جوفاء وثقوب
سوداء ونيازك وبقايا نجوم ميتة .. وجسيمات دقيقة وفتافيت ذرات هائمة في
تجمعات سحابية مثل البروتونات والنيوترونات والباريونات والكواركات وجسيمات
النيوترينو التي تخترق الأرض وتخرج من الناحية الأخرى في سر عات مذهلة مثل
السهام الخفية .. هذا عدا الأجسام الكبرى العملاقة كالنجوم والشموس
والمجرات والكواكب والتوابع والأقمار التي تدور في أفلاكها .









منقول