لرئيس بشار ورث الحكم عن أبيه حافظ أسد ، وأبيه كان عضو في المجلس الأعلى للطائفة النصيرية وهي التي اطلق عليها الأستعمار الفرنس عام 1929 (الطائفة العلوية) للتدليس علي الناس، وجميع المسؤلين الأمنيين الكبارفي سوريا حالياً يتم اختيارهم من قبل مجلس الطائفة الأعلى . هذا يعني أن الرئيس بشار عندما ورث العرش ورث معه كرسي أبيه في المجلس الأعلى وهو مجرد واجهة لا يمكنه اتخاذ القرارات منفرداً دون الرجوع إلى المجلس الذي يرسم للرئيس ومعاونيه الخطوط العريضة في إدارة السلطة، والرئيس ثابت في مركزه طالما يحظى بدعم المجلس الأعلى.
النظام في سوريا مبني على الطريقة الشيعية (الإمامية) كما هو الحال في ايران . السلطة العليا بيد المجلس الأعلى لعلماء الدين وعلى رأسهم المرشد الأعلى. نفس البناء موجود في سوريا مع فرق واحد وهو أن المجلس الأعلى للطائفة العلوية سري كالعقيدة العلوية نفسها ولا يقتصر على علماء الدين فقط كما هو الحال في ايران ، ويعقد اجتماعاته في السر على الطريقة الباطنية , ولا يحق للعامة من الطائفة ولا لأحد من خارج الطائفة المشاركة في اجتماعاته أو معرفة مايدور في تلك الاجتماعات. وما يتعلق بالفساد المادي العلني الذي استشرى في الدوائر الحكومية وجميع مرافق الدولة وصولاً إلى رؤس السلطة. هذا الفساد ليس عشوائياً ، بل هو مقصود ومنظم ومبرمج بتعليمات من المجلس الأعلى . فمنذ العصر العباسي , وبعده المملوكي والعثماني ، تركزت السلطة والثروة بيد الأكثرية من أهل السنة . الأقلية المسيحية كونها من أهل الكتاب أبعدت عن رأس السلطة ولكنها حافظت على وضع مستقر إجتماعياً واقتصادياً ، أما الأقليات الأخرى التي تفرعت عن الإسلام وعلى رأسها العلويون فقد أعتُبرت من قبل الأكثرية السنية على أنها رافضية وكافرة ويجب تقويمها عن طريق الدعوة أو السيف بسبب الأنحراف الشديد في العقيدة وهي خليط من الأسلام واليهودية والمجوسية، ولنا في ذلك فتاوى عدة أشهرها فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لذلك اضطروا إلى اللجوء للجبال والإبتعاد عن المراكز السكنية والتجارية والأراضي السهلية الخصبة لحماية نفسها ، ومع مرور عدة قرون من الزمن غرقت في الفقر والجهل وقلة الحيلة. وأصبحوا عوناً لكل عدو غزا ديار الأسلام علي مدي العصور وأخرها بيع الجولان بأبخس الأثمان لليهود عندم كان حافظ أسد وزيراً للدفاع في سوريا عام 1967.
ومن يتتبع تاريخ الطائفة العلوية يجد بأنها عانت الكثير من والفقربسبب انعزالهم عن التفاعل مع البنية الأساسية للمجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، هذا التاريخ لم يغب عن ذاكرة الضباط العلويين عندما وصلوا إلى سدة الحكم في منتصف الستينات من القرن الماضي ، وكان من أولوياتهم العمل على تغييره ، لأن السلطة العسكرية والسياسية غير كافية وغير دائمة على المدى البعيد إذا لم تقترن بقاعدة إقتصادية متينة تديرها طبقة رجال أعمال تتمتع بالمعرفة والكفاءة . لذا وجب أن يتم بسرعة وبأقصر وقت ممكن بناء هذه القاعدة الإقتصادية بحيث تصبح أقوى من نظيرتها التي بنتها الأكثرية السنية على مدى قرون ، وبذلك يتم للطائفة العلوية التحكم بالإقتصاد الذي هو ركن مهم جداً من أركان السلطة وبناء أي مجتمع . وفي حال فقدان السلطة السياسية يمكن لهم إقامة مجتمع مكتفئ ذاتياً من جميع النواحي . ومن يتتبع الوضع الإداري والاقتصادي في سوريا خلال الأربعة عقود الماضية لا يخفى عليه ذلك . هذا هو السبب الرئيسي وراء استشراء الفساد المالي علناً ، وهذا هو السبب في عدم محاسبة الفاسدين والمفسدين ، ولا أعتقد بأن من فتح هذا الباب على مصراعيه معنياً بإغلاقه قبل أن يحقق الهدف من فتحه.
الثراء المشروع يتطلب خبرة وجهد ووقت طويل وسيصطدم بمنافسة يصعب عليه اختراقها من مراكز احتكار السوق في المدن الكبيرة كدمشق وحلب من التجار ورجال الأعمال ذوي الخبرة والثروة المتوارثه عبر أجيال عديدة ، واسهل طريق لبناء الثروة السريعة هو تسخير أدوات السلطة لجبايتها قسراً عن طريق الدوائر الحكومية وابتزاز المواطنين والشركات وإجبارهم على دفع الرشاوى لتسهيل معاملاتهم واعمالهم .
إذاً ! ما يطلق عليه الفساد في سوريا ليس ظاهرة خارجة عن قدرة النظام على ضبطها ، بل هي من صنع النظام وتحت رعايته لسببين مهمين وهما : أولاً نقل الثقل الإقتصادي في سوريا إلى أيدي علوية ، وثانياً إغراق المسؤولين الكبار في ملفات فساد بحيث يمكن للنظام فتحها أمام القضاء حينما يخرجون على الطاعة أو في حال أراد استبدالهم أوالتخلص منهم.
أما ما يتعلق \\\' بالشبيحة \\\' فهم الحرس الثوري العلوي لا يخضعون لسلطة الرئيس أو الحكومة وقد تربوا علي نظرة الحقد والعداء الشديد للطوائف الأخري ، ومهمتهم هي حماية النظام وعدم التفريط به خارج الطائفة العلوية، ولا يأبهون لأي تعليمات أو أوامر غير صادرة عن المجلس الأعلى ، وغير مهم بالنسبة لهم من يقتل في المظاهرات ، فهم يطلقون النار على المتظاهرين وعلى الجيش لتحويل المظاهرات السلمية إلى صراع عسكري كما فعل نظام القذافي لأنهم هم من يملك السلاح والشعب لا يملك سلاح، والجيش بالنسبة لهم لا يختلف عن المتظاهرين